لقد خرجت النصرانية في عقيدتها بالإله الربّ سبحانه وتعالى عن حدّ المعقول وباهتت ضرورياته، حيث قد نسبت إلى الإله الخالق ما تأباه الفطر السوية الزكية، وما لا تقبله العقول السليمة الرشيدة، دون أدنى حجّة أو برهان على مثل ذلك، وإنما هي الأوهام الكاذبة، والافتراءات الباطلة.
فنجد أن النصرانية تتكلم عن ذات الله عز وجل وفقًا لما تمليه الأهواء، دون أدنى حياء منه سبحانه وتعالى، حيث تدّعي (النصرانية) أن الله مُرَكَّب من ثلاثة أقانيم، متمثلة في الآب والابن والروح القدس، أي أنها تصفه بأنه عبارة عن مركّب من ثلاثة أجزاء، وكل جزء من تلك الأجزاء الثلاثة تزعم فيه الألوهية.
ومن البديهي أن ذلك المُرَكّب الذي يتكون منه إله النصرانية المزعوم مُفتقر في تحقّقه إلى غيره من الأجزاء، وذلك الوصف بكل تأكيد لا يمكن أن يليق بذات الله سبحانه وتعالى، فالله جلّ وعلا
لا يمكن أن يكون مفتقرًا إلى غيره (تعالى الله جلّ وعلا عن إفك النصرانية علوًا كبيرا).
لا يمكن أن يكون مفتقرًا إلى غيره (تعالى الله جلّ وعلا عن إفك النصرانية علوًا كبيرا).
ونجد أيضًا أن النصرانية تدّعي تجسيم الإله، وتُحجّمه، عن طريق تصورها بأن الله جالس على العرش، وأن ابنه جالس عن يمينه، ولا شك أن ذلك كله مُحال للعقل السليم أن يتصوره في ذات الله سبحانه وتعالى.
فالله جل وعلا هو خالق المكان، وهو خالق الزمان أيضًا.
ولذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحويه ولا يحدّه مكان، لأنه جلّ وعلا هو خالق المكان.
وكذلك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يفنى أو ينتهي بمرور الزمان وانتهاءه، لأنه جلّ وعلا هو خالق الزمان أيضًا.
ولذلك، فإن الله سبحانه أجلّ وأعلى من أن يُنسب مثل ذلك الإفك الذي تفتريه النصرانية عليه.
ونجد أيضًا: أن النصرانية تؤمن بما قد افترته اليهودية على الله تعالى من صفات لا يمكن أن تليق بذاته العلية جلّ وعلا، كالندم والتأسف والحزن، كما في (سفر التكوين 6 :6)، والاستراحة من التعب كما في (سفر الخروج 31: 17)، والنوم والاستيقاظ، كما في (سفر المزامير 78: 65)، والصفير والصفيق كما في (سفر أشعياء 5: 26)، والهتاف والصراخ كما في (سفر أشعياء 42: 13)، وتصويره بالنار الملتهبة كما في (سفر الخروج 24: 17)، ... إلى غير ذلك من الصفات التي لا يمكن أن تليق بالذات العلية لله سبحانه وتعالى، والتي سبق أن أشرنا إلى جزء منها، ولمزيد من التعرف على مثل تلك الصفات التي تنسبها النصرانية إلى الله سبحانه وتعالى، يمكن الرجوع إلى كتاب: عتاد، للشيخ/ أحمد ديدات.
ونجد أيضًا: أن النصرانية قد نسبت إلى الله تعالى الكثير من الأبناء، كما في (لوقا 3: 38).
(تعالى الله عز وجل عن اتخاذ الولد، علوًا كبيرا)
وكما أشرنا، فإن النصرانية تزعم أن الإله عبارة عن مركب من 3 أجزاء أو وجوه أو أقانيم (الآب، الابن ، الروح القدس)، ومع نكارة ذلك الزعم الكاذب، إلا أننا نجد أن النصرانية تقول بأن الابن، الذي هو أحد الأقانيم الثلاثة لإلهها المزعوم، إنما هو من نسل بشري، حيث وُلِد من موضع الفرج، وكان قد اختُتِن بعد ولادته بأيام، وكان يرضع من ثدي أمه، وكان يأكل ويشرب الخمر (وفقًا لما تزعمه النصرانية)، وكان يبول ويتغوّط، ... إلى غير ذلك من الصفات المُحال قبولها في الذات العليّة للإله الخالق جلّ وعلا.
ومن العجيب: أنه يدخل في نسل إله النصرانية المزعوم (الابن، كأحد أجزاء إله النصرانية) ما ينصّ كتابها على أنهم أولاد زنا، (فارض وزارح) من ثامار.
تعالى الله عز وجل عن مثل تلك الافتراءات علوًا كبيرا
ومن المُناقض للعقل الرشيد، أيضًا:
أن من صفات ذلك الابن الذي قد ألصقته النصرانية بإلهها المزعوم، كجزء من طبيعته الألوهية، أنه كان مُتعبِّدًا، كما في إنجيل مرقس (1: 35)، والتساؤل:
إذا كان ذلك الابن إلهًا كما تزعم النصرانية، فمن كان يعبد؟!
فلا يتعبّد إلا من كان مخلوقًا، وليس إلهًا خالقًا،
لذلك، فإنه يتبيّن لنا تناقض عقيدة النصرانية بشهادة كتابها مع صريح العقل السويّ.
بل إننا نجد أن من صفات ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية، كجزء من طبيعة إلهها، أنه (كما أشرنا) كان يشرب الخمر، كما في إنجلي متى (11: 19)، ولوقا (7: 34)، وذلك مِمَّا لا يُتصوّر في إنسان نقي الفطرة، سوي العقل، كريم فاضل، فكيف يُتصوّر نسبه كفعل لإله خالق؟!!
لا شك، أن ذلك من محض افتراءات النصرانية وكذبها على الله تعالى.
ونجد أيضًا، أن ذلك الابن المزعوم الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية كجزء من طبيعة إلهها، كان قد جُرّب من الشيطان، بمعنى: أن الشيطان قد جَرَّبه وضلّله أربعين يومًا، كما في إنجيل مرقس (1: 12 – 13)، وانه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يبكي ويحزن ويكتئب، وأنه كان ضعيفًا، كما يتبين ذلك من كتابها (الكتاب المقدس للنصرانية)، على النحو الآتي:
يوحنا (11: 35)، متى (26: 37)، متى (26: 38)، مرقس (14: 33)، لوقا (32: 44)، على الترتيب. وأنه (الابن، الذي قد نسبت إليه النصرانية الألوهية) كان يخاف ويهرب متخفيًّا، وأنه كان قد تمّ القبض عليه، وأسْرِه وتقييده، كما ينصّ على ذلك كتابها، في إنجيل يوحنا (7: 1)، يوحنا (8: 59)، يوحنا (18: 12 – 13)، على الترتيب.
بل إنه (الإله الابن المزعوم) قد بُصق في وجهه، ولُطِم أيضًا على وجهه، ولم يستطع فعل أي شيء، كما يتبيّن ذلك من كتاب النصرانية في إنجيل لوقا (22: 63 – 64)، إنجيل متى (26: 27)، إنجيل يوحنا (18: 22 – 23)، ولم تكتف النصرانية في توهّماتها وادّعاءاتها على ما أشرنا إليه فحسب، بل إنها تقول بأن ذلك الابن الذي قد نسبت إليه الألوهية، قد مات على الصليب بعدما أُهين وعُذِّب، وبصق في وجهه، ولُطِم عليه، وتجعل من ذلك عقيدة لها.
ولا شك، أن ذلك الذي تزعمه النصرانية، لا يمكن أن تقبله فطرة سويّة أو عقل رشيد، منسوبًا إلى الإله الخالق جلّ وعلا.
تعالى الله عز وجل عن كل تلك الادّعاءات الكاذبة والافتراءات الباطلة، علوًا كبيرا.
وأما بالنسبة للجزء الثالث، الذي يتكون منه الإله المزعوم للنصرانية، وهو (الروح القدس)، فإن الادّعاءات التي تُروجها (النصرانية) حوله تعطي الفرصة للملحدين والمتشكّكين، كأداة للطعن في وجود الإله الخالق، وإرساله للرسل والرسالات، لِما في ادّعاءاتها من خيالات وتناقضات لا يقبلها عقل مفكر ومتدبّر([1]).
ومثال ذلك: ما ينصّ عليه كتاب النصرانية عند حديثه عن السيدة مريم وكيفية حملها بالمسيح، حيث يقول: «فأجاب الملاك وقال لها، الروح القدس يحلّ عليك» (إنجيل لوقا 1 : 35).
والروح القدس كما أشرنا هو إله عند النصرانية، حيث تزعم أنه أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون ويتركّب منها إلهها المزعوم.
وبالنسبة للفقرة السابقة، فإن القارئ لها يتصوّر ذلك المشهد وكأنه مشهد جماع بين رجل وزوجته، فما بالنا وأن السياق حول الخالق الذي تزعمه النصرانية متمثلًا في الروح القدس، وحول المخلوق (السيدة مريم)([2]).
لا شك، بأن نكارة السياق تحول بين استساغة الفطرة النقية له بأي حال من الأحوال، مما يتيح فرصة ذهبية للملحدين ومنكري الألوهية من أجل ترويج بضاعتهم وأفكارهم الفاسدة.
أعاذنا الله تعالى من تلك الافتراءات التي تدّعيها النصرانية، وحفظنا منها.
فاللغة المستخدمة في الأناجيل لغة بغيضة إلى النفس، لغة الدرك الأسفل من حضارة المدن([3])، حيث لا يمكن لعقل رشيد أن يتقبلها على أنها وحي من الله عز وجل.
ومن ثم يتبيّن لنا: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا صناعة بشرية من أعداء الله تعالى، وأعداء دينه وأعداء أنبياءه ورسله.
ونجد أيضًا أن النصرانية تتصور الروح القدس (أحد الأجزاء الثلاثة التي يتكون منها إلهها المزعوم) أنه كان ينزل في صورة الحمامة، كما في إنجيل متى (3: 16)، ولا عجب في مثل تلك العقلية التي كانت قد صوّرت الإله المعبود مُجسّدًا في صورة بشرية (حيث ولادته ونزوله من موضع الفرج لأمه، ورضاعته وختانه في اليوم الثامن، ثم بعد أن كبُر صار يأكل ويشرب وينام، ويبول ويتغوّط لإزالة ما في بطنه من فضلات طعام وغيره، ثم الاعتقاد بصلبه وموته بعد أن أهين وعُذِّب وبُصِق في وجهه) أن تتصور بعد ذلك ما تشاء، وأن تجعل من ذلك التصوّر معتقد لها.
(تعالى الله عز وجل عن إفك النصرانية علوًا كبيرا)
ومن قليل ما أشرنا إليه من عقيدة النصرانية في الإله الربّ سبحانه وتعالى، يتبيّن لنا:
أن النصرانية قد نسبت إلى الإله الخالق من الصفات الناقصة والمعيبة والمذمومة، ما لا تقبله النفوس الزكية والفطر النقية والعقول الرشيدة، في الذات العليّة لله سبحانه وتعالى فتعالى الله عز وجل عن كل ما لا يليق بذاته العليّة مما قد افترته النصرانية وغيرها، علوًا كبيرا.
كيفية ترويج النصرانية لمعتقدها
ولتوضيح تلك النقطة بإيجاز، نوضح:
أن الداعين للنصرانية يحاولون وضع من يقومون بتنصيرهم (إدخالهم في النصرانية) تحت اختيار جبري من بين عدة اختيارات، وفقًا لأساليب خبيثة ملتوية.
فهم (الداعون للنصرانية) عندما يقومون بممارسة مهامهم، فإنهم يقولون لفريستهم ممن وقع بأيديهم (ممن ليس لديه سوى القليل من العلم)، لمحاولة اقناعهم بألوهية المسيح، الآتي:
إما أن يكون المسيح إلهًا أو كاذبًا أو مجنونًا، زاعمين بذلك أنه مفروض على من يجيب، الاختيار فقط من بين تلك الاختيارات الباطلة.
ولكن البديل الصحيح المعقول (المخالف لأهواء المبطلين) والذي لم يُدرج ضمن البدائل، هو: أن المسيح عليه السلام إنما هو نبي مرسل([4])، وأن المعجزات التي قد أتى بها إنما هي من عند الله تبارك وتعالى تأييدًا لدعوته ورسالته.
وأيضًا، فإن المبشرين للنصرانية عندما يقومون بمهامهم التنصيرية، يقومون بالتركيز على:
الصغير، الذي لم يكن له من يُعرفه بالإسلام ويرشده إليه، حيث يقومون بتنشأته على معتقداتهم الباطلة ودعواهم الكاذبة.
الفقير الذي قد اشتدّ به الفقر، وطال احتياجه إلى ما يسدّ به جوعه، حيث يستغل المبشرون للنصرانية ذلك بأن يُغرونهم بالمال، ويقدّمون لهم المساعدات والخدمات والأموال من أجل إدخالهم في النصرانية، وما يقوم به الداعون للنصرانية في البلاد الفقيرة، لا سيما بقارة إفريقيا وغيرها، برهان ذلك.
من يبغي الوصول إلى غاية من الغايات (كمنصب من المناصب)، حيث يستغل المبشرون للنصرانية ذلك، بأن يُيسّروا له الوصول إلى غايته على أن يدخل بعد ذلك في النصرانية.
ولا شك أن النصرانية تستخدم الوسائل الإعلامية المختلفة من أجل بث سمومها ومعتقداتها الباطلة، والترويج لها، لا سيما وأنها تمتلكها وتتحكّم فيها.
كيف صار المسيح إلهًا عند النصرانية
ولتوضيح هذه النقطة بإيجاز، نبيّن:
أن المسيحيين الأوائل لم يكونوا بعيدن عن المفهوم الإسلامي الصحيح.
فلم يكن المسيح إلهًا في معتقد المسيحيين إلا بعد مرور أكثر من ثلاثمائة سنة من مولده، بعد أن انحرف معتقدهم عن الحق، وصار أُلعوبة بين قساوستهم.
فلم يكن المسيح إلهًا في النصرانية، إلا في مُجمّع (نيقية) الذي قد انعقد سنة 325 للميلاد، وفيه تقرّر بزيادة صوت واحد فقط بين المقترعين أن المسيح إله (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا).
والعجيب: أنه إذا نقص ذلك الصوت لبقي المسيح في النصرانية بشرًا رسولاً، كما يقول الدين الإسلامي الحنيف، حفظنا الله تعالى به، وهدى الناس إليه، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق