لقد تم إيضاح جزءً من العقيدة الفاسدة للنصرانية في الإله الخالق، بالنقطة السابقة، وبعون الله وتوفيقه سوف نوضح في هذه النقطة جزءً من ذلك التناقض البيّن في تلك العقيدة (عقيدة النصرانية) ومن ثم بطلانها:
أولًا: نوضح: أنه لا يوجد في كافة الأناجيل المطروحة مع اختلافها تصريح واحد، أو عبارة واحدة لا تحتمل الالتباس أو التأويل يدّعي فيها المسيح أنه الله، أو يقول فيها (اعبدوني)([1]).
مما يدل على أن التأويل الذي تأولته النصرانية، إنما هو تأويل في غير سياقه من أجل نشر ما تزعمه وتعتقده، ومن ثم فإن ذلك التأويل إنما هو تأويل باطل.
ثانيًا: إن عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية إنما هي زعم باطل بما ينص عليه كتابها المقدس من أقوال المسيح التي تنسب إليه الألوهية.
ومثال ذلك، لا الحصر: أن إنجيل يوحنا، نجد فيه أن المسيح يقول:
«وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك، أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته» (إنجيل يوحنا، الباب 17 الفقرة 3).
فيتبيّن من ذلك: أن المسيح عليه السلام كان يُعلم الناس: أن الله واحد حقيقي، وأن المسيح إنما هو رسول منه، ولم يعلمهم أن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذات الله ثلاثة أقانيم، ولم يعلمهم أن المسيح إنسان وإله، أو أن المسيح إله مجسم، فلم يعلمهم أيًّا من تلك الأباطيل([2]).
فأقوال المسيح وأفعاله تدل على عبوديته، وليس ألوهية، ويؤكد ذلك ما جاء في كتاب النصرانية، من أن المسيح كان يَخِرُّ على وجهه ويصلي لإلهه، ومن ثم يكون التساؤل:
فعلى أي شيء يدل ذلك الذي قد أوضحناه آنفًا؟! هل يدل على ألوهيته أم عبوديته؟!
بالتأكيد: إن ذلك الذي ذكرناه آنفًا يدلّ على عبودية المسيح لإلهه وخالقه، لأنه إذا كان (المسيح) إلهًا، فلمن كان يُصلي ومن كان يعبد، هل كانت الصلاة والعبادة لإله آخر؟! بالطبع: لا.
لذلك: فإن معتقد اللنصرانية في تأليه المسيح يقود إلى الاعتقاد بعدم وحدانية الله تعالى، وإشراك آلهة أخرى معه، تعالى الله عن كل ذلك الذي تدّعيه النصرانية علوًا كبيرًا.
ثالثًا: إننا نجد أن النصرانية تقوم بتعظيم الصليب، بل وتعبده، وذلك لأحد ثلاثة أمور، وهي:
الأمر الأول: إما لأن الصليب قد مسّ جسد المسيح، وإذا كان الأمر كذلك لألزم النصرانية أن تعظم نوعًا من الحيوانات أيضًا، وهو نوع الحمير، وذلك لأن كتاب النصرانية ينص على أن المسيح قد ركب على الأتان والجحش ومن ثم فإن النصرانية يلزمها أن تتخذ هذا النوع من الحمير إلهًا تعبده، بدلًا من الصليب، ومن ثم الاقتداء بالهنود، حيث عبادتهم للبقر، ومن المعلوم أن البقر أنفع من الحمير.
والتساؤل المهم:
هل يمكن أن يكون الإله الخالق بتلك الصورة الذي يقود معتقد النصرانية من تعظيم للصليب وعبادة له، إلى تصورها؟!!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة قبول مثل ذلك المعتقد والتصور في ذات الله تعالى؟!!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجل عن مثل ذلك علوًا كبيرًا.
الأمر الثاني: وهو أن تعظيم النصرانية للصليب، وعبادتها له، كان بدافع اعتقادها بأنه (الصليب) كان واسطة فداء، وتكفيرًا للخطايا.
وإذا كان الأمر كذلك، لوجب على النصرانية تعظيم يهوذا الخائن، الذي قد دَلّ اليهود على المسيح كي يصلبونه ويقتلونه، ولألزمهم ذلك.
حيث إن يهوذا كان هو الواسطة الأولى، والذريعة الكبرى للفداء الذي تزعمه النصرانية، ولولا أن يهوذا الخائن قد دَلّ اليهود على المسيح، لما أمكنهم الإيقاع والإمساك به (بالمسيح) لصلبه وقتله (مجاراة لمعتقدهم)([3]).
والتساؤل: فهل يمكن للنصرانية أن تعظم يهوذا الخائن الذي قد دلّ اليهود على المسيح لصلبه وقتله، لأنه كان واسطة فداء، وتكفيرًا للخطايا؟!!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة قبول مثل ذلك المعتقد الذي تزعمه النصرانية؟!!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجلّ عن ادّعاءات النصرانية وافتراءاتها علوًا كبيرا.
الأمر الثالث: وهو أن تعظيم النصرانية للصليب، وعبادتها له، كان بدافع زعمها أن دم المسيح قد سال عليه (على الصليب).
وإذا كان الأمر كذلك لوجب على النصرانية تعظيم الشوك المضفور إكليلًا على رأس المسيح عند صلبه وقتله، كما تزعم النصرانية.
ولأنه بذلك يكون الشوك المضفور قد فاز بالمنصب الأعلى من سيلان دم المسيح عليه([4]) (مجاراة لما تعتقده النصرانية).
والتساؤل: فهل يمكن للنصرانية أن تعظم ذلك الشوك المضفور الذي تزعم النصرانية وضعه على رأس المسيح عند صلبه وقتله، نظرًا لسيلان دم المسيح عليه (مجاراة لما تعتقده النصرانية)؟!
وهل يمكن للفطر النقية والعقول الرشيدة، قبول مثل ذلك الزعم الذي تدّعيه النصرانية؟!
بالطبع: لا.
فالفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة، تأبيى وترفض أيًّا من تلك الترّهات والأوهام التي تقود إليها معتقدات النصرانية.
رابعًا: ونجد أيضًا بالإنجيل الذي بين يدي النصرانية اليوم، ما يشير إلى عدد كبير من الأبناء الذين تنسبهم النصرانية إلى الإله الخالق، كذبًا وزورًا، ومع ذلك فإننا نجد التناقض الكبير في:
أنه إذا ما سُئل نصراني (مسيحي) كم عدد أبناء إلهك (مجاراة لادّعاءات النصرانية)؟
فإنه يجيب بقوله: إنه ابن واحد.
والتساؤل: كيف يمكن القول بأن المسيح هو الابن الوحيد لله، في حين أن الكتاب المقدس للنصرانية ينسب إليه (إلى الله) الكثير من الأبناء (افتراءً وبهتانا)؟؟!
الجواب: هو أنه لا يوجد ردّ نقي، معتبر عند أولي العقول الرشيدة والبصائر النيرة.
ومن ثم، فإنه لا شك بأن ما يزعمه الكتاب المقدس للنصرانية، إنما هو التناقض البيّن، والذي يؤكد بطلان ذلك الادّعاء بأن الله قد اتخذ ولدًا، أو أيًّا مما تزعمه النصرانية من أبناء مكذوبين.
فتعالى الله عن افتراءات النصرانية علوًا كبيرًا.
خامسًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أنها (النصرانية) تنسب إلى الله تعالى الولد افتراءً عليه، وتقول بأن المسيح هو ابن الله المولود، وليس المخلوق.
والتساؤل: كيف يكون مولودًا وليس مخلوقًا؟!
وهل يولد الإله (حيث تزعم النصرانية ألوهية المسيح)؟! وأي عقل راجح رشيد يقبل مثل ذلك؟!
(فتعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا)
فكون المسيح مولودًا، فإن ذلك يعني أنه (المسيح) في احتياج لمن خلقه وأوجده.
ويعني أيضًا، أن المسيح كان قبل ولادته عدمًا، أي لم يكن شيئًا، ومن ثم فإنه لا يملك شيئًا.
ومن ثم يتضح لنا: أن المسيح لم يكن إلا مخلوقًا مُكرمًا من الله تعالى، خلقه المولى سبحانه وتعالى من غير أب، كما خلق آدم عليه السلام من غير أب، بل ومن غير أم أيضًا.
فالمسيحيون باعتقادهم في التثليث وتأليههم للمسيح يزدادون تخبطًا، ووقوعًا في المآزق ذات الحرج الشديد، وبرهان ذلك:
أنه في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس للنصرانية، والتي تُعرف بالنسخة الإنجليزية المعتمدة:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحى بابنه الوحيد المولود لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا 3: 16).
أما في النسخة القياسية المنقحة عام 1971، يُقرأ ذلك النص السابق كما يلي:
«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أو أعطى أو ضحى بابنه الوحيد لكي لا يهلك .....».
فنلاحظ أنهم قد حذفوا كلمة (المولود) الثابتة في نسخة الملك جيمس، وذلك باعتبارها تلفيقًا واختلاقًا، حيث إن تلك الكلمة المفتراة تسبب لهم الوقوع في مأذق وحرج شديد، ومن ثم قرروا حذفها([5]).
والتساؤل المهم: هل كلام الله يمكن أن يُحذف منه أو يُضاف إليه من قِبَل البشر؟!
وهل يعقل أن يكون ذلك الذي بين يدي النصرانية هو كتاب الله المحفوظ من التبديل والتغيير والتحريف، بعد كل تلك الإضافات والتغييرات والتحريفات من قِبَل علماء النصارى أنفسهم ومن غيرهم؟!
بالطبع: لا، فكلام الله تعالى المحفوظ، لا يمكن أن يعتريه أدنى تغيير من إضافة وحذف، أو تبديل وتحريف.
وإذا كان علماء المسيحية أنفسهم يقومون بمثل ذلك التبديل والتغيير والتحريف في كتابهم الذي يقدسونه، فما بالنا بغيرهم ممن لا يؤمن بمعتقد النصرانية، ويعاديها، بل ويسعى في تحريف كتبابها (كاليهود)؟!
سادسًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أن النصرانية قد غالت في المسيح إلى درجة تأليهه ومن ثم عبادته، في الوقت الذي قد علم فيه الجميع ولادته (ولادة المسيح) بعد أن حملت به أمه (السيدة مريم).
والتساؤل المهم: هل يولد الإله؟! وهل يمكن خروج مثل ذلك الإله المولود، المعبود من قِبَل النصارى، من العضو الأنثوي للمرأة؟!
وهل يمكن لفطرة نقية وعقول سوية قبول مثل تلك التوهمات والافتراءات؟!
بالطبع: لا، فتعالى الله عز وجل عن كل ذلك الباطل، علوًا كبيرًا.
فلو أن الله عز وجل أراد أن يخلق الملايين من المسيح لخلقهم بكلمة منه سبحانه وتعالى، وهي (كن فيكون)، وليس معنى ذلك أن الله تعالى يلزمه أن يلفظ بكلمة (كن)، بصوت واضح مفصل، كما نفعل نحن، ولكن هذه طريقتنا (البشرية) لفهم معنى كلمة (كن)([6]).
فالله سبحانه وتعالى أجلّ من أن يتخذ ولدًا، أو يحتاج إليه.
وصدق الله تعال، إذ يقول: âوَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًاá [سورة مريم: 92 – 93].
لذلك: فإن عقيدة التثليث في النصرانية ليست هي ما جاء بها المسيح عليه السلام، الذي قد أكرمه الله تبارك وتعالى بالنبوة والرسالة، وإنما هي (عقيدة التثليث) فهم متطور، قد انحرف عن الجادّة والصواب على مرّ الأزمنة والقرون.
سابعًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع في النصرانية:
أنها (النصرانية) تقول: بأن الإله إنما هو 3 أقانيم، أي أنه مُركّب من ثلاثة آلهة، حيث تزعم بأن: الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، ثم تعود فتقول ولكن هؤلاء ليسوا ثلاثة آلهة، وإنما هم إله واحد.
ثم تستطرد النصرانية، وتقول: بأن الآب هو العظيم، والابن هو العظيم، والروح القدس هو العظيم، ثم تعود فتقول: ولكنهم ليسوا الثلاثة عظماء، بل العظيم الواحد.
ثم تستطرد النصرانية، وتقول: بأن الآب شخص، والابن شخص، والروح القدس شخص، ولكنهم ليسوا ثلاثة أشخاص، ولكنهم شخص واحد([7]).
والتساؤل المهم: بأي لغة تتحدث النصرانية؟!
وهل مثل تلك اللغة يمكن لفطر نقية وعقول سويّة أن تقبلها؟!
بالتأكيد: لا، ولتوضح ذلك:
أنه بافتراض وجود ثلاثة تواءم متشابهة، ولا يمكن التمييز بينهم، لأن الثلاثة متطابقون تمامًا، ثم يكون التساؤل:
أنه إذا ما اقترف أحد هؤلاء الثلاثة جريمة قتل، مثلًا، فهل يمكن إعدام أي من الآخرَين بدلًا منه؟
بالطبع: لا، ومن ثم يكون التساؤل التالي:
لماذا لا يُعدم أحد الثلاثة تواءم بدلًا من الآخر؟
فيكون الجواب: لأن كلًا من هؤلاء الثلاثة تواءم، شخص مختلف عن الآخر، وله شخصيته المستقلّة. وبالمثل، إذا ما طبقنا هذا النموذج الافتراضي في النصرانية، فإننا نجد:
أن النصرانية عندما تقول (الآب)، فإن الذهن البشري لدي معتنقيها (معتنقي النصرانية) يتصور صورة خاصة بـ(الآب) الذي تزعمه النصرانية، وتلك الصورة، هي: أنه ضخم جدًا، ولكنه أشبه بالرجل.
وأنها (النصرانية) عندما تقول (الابن)، فإن الذهن البشري لدى معتنقي النصرانية يتصور صورة (الابن) في شاب ذات مواصفات معينة، مثل أن يكون أزرق العينين، أشقر الشعر، ذا لحية، وهكذا.
أي أن الذهن البشري لدى معتنقي النصرانية لا يتصور (الابن) إلا في تلك الصورة، للشخص ذا المواصفات المعينة، التي قد أشرنا إلى بعض منها.
وأنها (النصرانية) عندما تقول (الروح القدس)، فإن العقل البشري لدى معتنقي النصرانية يتصور له (الروح القدس)، وأنه أشبه بالحمامة، أو أشبه بلهب النهار، كما توضح كتب النصرانية، حيث إن الصورة هنا ليست واضحة تمامًا.
ومن ثم، فإنه يتبيّن لنا:
أن النصرانية لديها ثلاث صور ذهنية مختلفة، لكل من (الآب) و(الابن) و(الروح القدس)، وعندما يُسال معتنقي النصرانية، كم صورة ترون لإلهكم؟
فإنهم يناقضون ذلك كله، ويقولون إنها صورة واحدة([8]).
والتساؤل المهم: على أي شيء يدل ذلك الذي أوضحناه؟
الجواب: لا شك، أن ذلك الاعتقاد الذي تزعمه النصرانية، ما هو افتراء وتوهّم، وأنه أكبر خُدعة للعقل، حيث لا يمكن للفطر النقية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة أن تقبل أيًّا من تلك الادّعاءات والتوهّمات.
فلا يمكن لشخص سويّ، ليس بمتعصب، وغير متبع لهوى أن يقبل أيًّا من تلك الافتراءات على الله تعالى، والتي تزعمها النصرانية افتراءً وكذبا، وبهتانًا وزورًا.
ثامنًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أننا نجد أن النصرانية تدّعي ألوهية المسيح، كما أشرنا سابقًا، ونجدها تدّعي أن المسيح قد غفر للمرأة التي قُبض عليها بتهمة الزنا (وفقًا لما جاء في إنجيل يوحنا، إصحاص 8) حيث قال لها المسيح: «إذهبي ولا تخطئي أبدًا».
ولكن، إذا ما كان ذلك الادّعاء بألوهية المسيح (كما تزعم النصرانية) صحيحًا، نتساءل: فلماذا لم يتدخل المسيح، وهو الذي يمثل عنصر المحبّة لدى النصرانية، يوم أن ارتكب آدم وحواء ذنب أكلهما من الشجرة المنهي عنها، فيغفر لهما ولذريتهما من بعدهما، أو يقول لهما «اذهبا ولا تخطئا ثانية» قياسًا لما قاله للمرأة التي زنت وغفر لها، وذلك إذا ما كان إلها كما تدّعي النصرانية، أو أحد أجزاء ثلاثة للإله المزعوم؟!
وإذا لم يتدخل المسيح كي يُغفر لآدم وحواء ذنبيهما، أي عكس ما تزعم النصرانية فعله (المسيح) مع المرأة المشار إليها آنفًا، فعلى أي شيء يدل ذلك؟!
لا شك: أن ذلك يدل على التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية، ويؤكده، مما يبرهن على بطلان معتقدها المخالف والمناقض لأدنى درجات المعقول.
لذلك، فإننا نجد أن النصرانية تتخبّط في ذلك المعتقد الذي تزعمه تخبطًا عظيمًا، ومما يشهد على ذلك واقعيًا:
أنه قد نُقِل أن ثلاثة أشخاص تنصّروا، وعلمهم بعض القسيسين عقيدة التثليث التي تؤمن بها النصرانية، وكانوا (هؤلاء الثلاثة) في خدمتهم، وجاء مُحبّ من أحباء القسيس، وسأله عمّن تنصّر (دخل في النصرانية)؟
فقال القسّ: ثلاثة أشخاص تنصروا.
فسأله ذلك المحبّ: هل تعلموا شيئًا؟
فقال القسّ: نعم، وطلب واحدًا منهم ليُرى مُحبّه؟
فسأل ذلك المحبّ أحد هؤلاء الثلاثة الذين تنصروا عن عقيدة التثليث؟
فقال أحد الثلاثة للقسّ: إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة، أحدهم الذي في السماء، والثاني تولّد من بطن مريم، والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعدما صار ابن ثلاثين سنة.
فغضب القسّ، وطرده، وقال هذا مجهول.
ثم طلب القسّ الثاني من هؤلاء الثلاثة الذين تنصروا، وسأله نفس السؤال عن عقيدة التثليث؟
فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة، وصلب واحد منهم، والباقي إلهان.
فغضب القسّ عليه أيضًا، وطرده، ثم طلب الثالث من هؤلاء الذين تنصروا، وكان ذكيًا بالنسبة للأوّلَيْن، فسأله القسيس نفس السؤال عن عقيدة التثليث؟
فقال: يا مولاي لقد حفظت ما علمتني حفظًا جيدًا، وفهمت فهمًا كاملاً، وهو أن الواحد ثلاثة، والثلاثة واحد، وصُلب واحد منهم فمات، فمات الكلّ لأجل الاتحاد([9]).
ومن ثم، يتجلى لنا:
أن تلك العقيدة التي تدّعيها النصرانية، إنما هي عقيدة غير صافية، حيث يتخبط فيها الجهلاء، ويتحيّر فيها العلماء.
ولذلك: فإننا نجد أنه قد تقبَّل قسيسين بارزين لما يقوله الإسلام، فيما يتعلق بالمسيح. حيث قد رفض أكثر من نصف أساقفة إنجلترا الإنجليكانيين ألوهية المسيح، وقد نشرت صحيفة (الديللي نيوز) الصادرة بتاريخ 25/6/1984 ذلك، تحت عنوان: دراسة مصدمة حول آراء الأساقفة الإنجليكانيين([10]).
تاسعًا: ومن التناقض الكبير في عقيدة النصرانية:
أننا نجد أن لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية)، والذي تدّعي النصرانية أنه كان مُلهمًا فيما يكتبه، ينسب إلى المسيح في إنجيله الذي ألفه، أنه (المسيح) كان ابن يوسف، وذلك يعني أحد أمرين:
أ- أن المسيح ليس إلها أو ابنًا للإله، حيث إن أبيه معروف لديه (لدى لوقا)، وهو يوسف النجار، وبذلك يكون ما سجله لوقا في إنجيله مخالفًا ومناقضًا للمسيحيين أنفسهم، من حيث تأليههم للمسيح.
ب- أن ذلك يعني: أن السيدة مريم إما:
- أنها قد تزوجت من يوسف النجار، وأنجبت المسيح، ومن ثم فإن ذلك يكون مخالفًا لما عليه المسيحيين بل والمسلمين أيضًا، حيث إن السيدة مريم لم تكن متزوجة.
- أو أنها (السيدة مريم) كانت غير متزوجة من يوسف النجار، وبذلك يكون إنجيل لوقا قد نسبها إلى الفحش والفجور، ومن ثم نَسْب ولدها إلى أنه وَلَد زنا، موافقًا بذلك ادّعاء اليهود،
ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل، وكذب محض.
ولا شك أن ذلك ادّعاء باطل، وكذب محض.
ولذلك: فإننا نجد من يضيف إلى الأناجيل، ويحذف منها، ويبّدل ويغيّر فيها، كيفما يمليه عليه عقله وهواه، كأن يتم إضافة عبارة (على ما كان يُظن) بين علامتي تنصيص، في محاولة للخروج من ذلك المأزق ذا الحرج الشديد الذي أوقعهم فيه لوقا (أحد مؤلفي أناجيل النصرانية) في إنجيله، حيث قد نسب المسيح إلى أنه كان ابن يوسف، موضحًا سلسلة طويلة لنَسبه.
ثم نجد المكر والخداع، والتحريف البيّن، بأن يتم حذف القوسين اللذين بداخلهما عبارة – على ما كان يُظن – لإدراجها داخل إنجيل لوقا كجزءٍ منه، غير مضاف إليه.
وذلك من أجل عدم كشف تلك الألعوبة من عوام معتنقي النصرانية، وأيضًا حتى لا يأخذ أهل الحق ذلك ذريعة للردّ عليهم.
ومما أشرنا إليه، يتضح عظيم التناقض بين اعتقاد النصرانية في ألوهية المسيح، وبين ما نسبه لوقا للمسيح، من أنه كان ابنا ليوسف النجار، موضحًا سلسلة طويلة لنَسبه، وذلك على الرغم من أن لوقا هو أحد مؤلفي الأناجيل التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والتي تزعم إلهامه.
عاشرًا: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية:
أننا نجد أنه على الرغم من تأليه النصرانية للمسيح، إلا أن كتابها الذي تزعم قدسيته يناقض ذلك المعتقد، ونموذج ذلك:
أ- أنه جاء في (إنجيل يوحنا 5: 30): أن المسيح كان يقول: أنه لا يقدر على شيء من نفسه، أي أن المسيح كان عديم القدرة إلا أن يعينه الله تعالى، شأنه شأن أي مخلوق، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
ب- أنه جاء في (إنجيل مرقس 13: 32): أن المسيح كان لا يعلم موعد يوم القيامة.
أي أن المسيح كان عديم العلم بالغيب، إلا أن يُعلِمه الله تعالى شأنه شأن أي مخلوق، أو أي نبي مرسل، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
ج- أن المسيح كان يعطش ويجوع ..، إلى غير ذلك من مظاهر الإحتياج التي يحتاج إليها البشر، مما يدل على بشريته وعدم ألوهيته.
د- وفي إنجيل مرقس، أن رجلًا من اليهود قد أتى المسيح وسأله: ما الأمر الذي يعتبر أول الجميع؟
فقال له المسيح: الربّ الواحد، مما يدل على بشريته وعبوديته للربّ الواحد، ومن ثم عدم ألوهيته، ولو كان ما يُعلّمه المسيح لأتباعه هو عقيدة التثليث، لذكر معنى التثليث لسائله اليهودي.
وغير ما ذكرنا الكثير مما قد جاء في الكتاب المقدس للنصرانية، مؤكدًا على بشرية المسيح وعدم ألوهيته، ومن ثم مناقضة ومخالفة ما عليه النصرانية من تأليه للمسيح وعبادة له.
حادي عشر: ومن التناقض الكبير الذي تقع فيه النصرانية إضافة إلى تعدد أناجيلها مع تناقضها واختلافها، والتي قد تم اختيارها لموافقتها ادّعاءاتها:
أننا نجد أنه إذا ما تم اعتماد أيًّا من الأناجيل الأخرى كإنجيل بطرس، والذي يقول بعدم موت المسيح على الصليب لتَغَيَّر شكل المسيحية عن ما هي عليه الآن، لتناقض ما يقوله إنجيل بطرس مع ما تعتقده النصرانية اليوم.
وكإنجيل توماس، الذي يوضح أن اعتقاد النصرانية بصلب المسيح وموته وقيامته من الموت، لم يكن مقطوعًا به في القرن الثالث والرابع، مما يوضح أن فهم النصرانية التي عليه الآن، إنما هو فهم متطور، إذ لو كان ذلك الاعتقاد (الذي عليه النصرانية الآن من تأليه للمسيح، واعتقاد بصلبه وقتله ثم قيامته) هو ما جاء به المسيح، لما حدثت مثل تلك التناقضات والتضاربات في أصل ذلك المعتقد الذي تؤمن به النصرانية.
وفي فلسطين نجد آثارًا لأناجيل أخرى مكتشفة، تقول بأن المسيح قد وُلِد مجرّد إنسان، وهو ما يناقض ألوهية المسيح الذي تزعمه النصرانية، والذي قد تقرّر (ذلك المعتقد الذي عليه النصرانية الآن) في مؤتمر نيقية سنة 325 م بأمر من الامبراطور قسطنطين.
إلى غير ذلك من التناقضات والاختلافات التي تقع فيها النصرانية.
ونختم هذه الجزئية بتساؤل مهم، قد يَرِد في أذهان البعض، وهو:
لماذا لا يكون الإله بتلك الطبيعة التي تعتقدها النصرانية من أنه عبارة عن ثلاثة أقانيم، كالتالي: الإله الآب، والإله الابن، والروح القدس، الذي تزعم النصرانية أنه إله أيضًا، ولكنهم جميعًا إله واحد، وأن الإله الآب قد ضحّى بابنه الإله تكفيرًا لذنوب وخطايا البشر؟
لماذا لا يكون ذلك ممكنًا؟ وهل يُعجز الإله ذلك؟
بداية: نوضح، أننا قد أشرنا إلى إجابة ذلك التساؤل في كتاب: (الإله الخالق ما بين تعظيم المسلمين وافتراءات النصارى والكاذبين وإنكار الملحدين)، وبطرق مختلفة.
وللإجابة هنا في هذه المرة، يُفضل أن تكون الإجابة مختصرة، وأن تكون أيضًا عقلانية، (مثلما كانت الإجابات السابقة)، وهي إجابة جاري ميلر – (أحد المبشرين الكاثوليكيين سابقًا)، مع تصرف بسيط للتوضيح.
وهذه الإجابة هي على النحو الآتي: أن الناس يقعون في خطأ منطقي عندما يقولون أن الله يجوز في حقه أن يفعل أي شيء، فذلك غير صحيح، لماذا؟
لأن الله تعالى لا يجوز في حقه أن يفعل كل شيء، إلا إذا اعتقدنا أنه يقوم بأفعال غبيّة، فهل يفعل الله الحماقات؟! هل يفعل أفعال الضعفاء؟!
هل يفعل التفاهات التي لا يمكن أن يعقلها أو يتقبلها إنسان سوي العقل والفطرة؟!
فالإنسان قد فُطر على تعظيم إلهه وخالقه، وتنزيهه عن فعل أي من تلك الأشياء.
فالله تعالى يفعل الأفعال الإلهية، التي تليق بألوهيتة.
وإذا ما قال قائل أن المسيح إنسان وإله في نفس الوقت، يكون التساؤل الطبيعي له.
هل كان بالإمكان قتله (المسيح) أم لا؟ هل هو عرضة للموت أم أنه مُخلَّد؟
فالإنسان عُرضة للموت والقتل، وأمّا الله تعالى فإنه مُخلّد، لا يمكن موته أو قتله، ومن ثم فإنه لا يمكن الجمع بين الاثنين معًا.
وأيضًا، فإن الإنسان محدود، لا يعرف كل شيء، وأمّا الله سبحانه وتعالى فإنه يعلم كل شيء.
والمسيح الذي تدّعي النصرانية ألوهيته، كان يأكل ويشرب، ومن ثم فهو يقوم بوسيلة الإخراج، وكان قد اختتن في اليوم الثامن، ورضع من ثدي أمه .... إلى غير ذلك من الأفعال البشرية، وقد بُصق في وجهه، وأُهين وصُلب ثم قتل (حسبما تدّعي النصرانية)، وذلك كله مُحال أن تقبله الفطر السوية والنفوس الزكية والعقول الرشيدة في الإله الخالق سبحانه وتعالى.
لذلك: فإننا نستنتج مما أشرنا إليه برهانًا قاطعًا على التناقض العظيم في معتقد النصرانية، ومن ثم بطلانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق