الأحد، 25 ديسمبر 2011

مصداقية القرآن الكريم



لقد أوضحنا في كثير من النقاط السابقة بعضًا من الأدلة والبراهين على فقدان الكتاب المقدس للنصرانية لمصداقيته، وبمشيئة الله تعالى سوف نوضح في هذه النقطة بجلاء بعضًا من الأدلة والبراهين على مصداقية القرآن الكريم، ومن ثم صدق خاتم المرسلين، النبي محمد
، وصدق دعوته ورسالته.
أولًا: ومما يُدلل على مصداقية القرآن الكريم:

- أن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد ، هو الوحيد الذي يمكنه التوحيد بين كل من اليهود والنصارى والمسلمين، ويجدوا فيه التوافق والملائمة.
فبينما نجد أن اليهودية تؤمن بنبوة موسى دون نبوة المسيح عيسى، وأن النصرانية تؤمن بنبوة موسى، وتنسب إلى المسيح ادّعاءه للألوهية ومن ثم اتخاذه إلهًا يُعبد، نجد: أن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد  يؤمن بنبوة موسى مع تبرءته مما قد افترته عليه اليهودية، ويؤمن أيضًا بنبوة المسيح مع تبرءته مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية بطريقة غير شرعية، ومع تبرءته أيضًا مما قد نسبته إليه النصرانية من ادّعاءه للألوهية، ورفعها (للنصرانية) له (للمسيح) دون وجه حق لمرتبة الألوهية.
مع التنويه إلى: أن الإسلام جاء مُكرمًا ومُبجّلًا للمسيح عليه السلام كرسول من عند الله تعالى، وكأحد أولي العزم من الرسل (وهم نوح وإبراهيم وموسى والمسيح عيسى ومحمد)، ومُكرمًا لوالدته (السيدة مريم)، ومُبرءً لها مما قد نسبتها إليه اليهود من الفحش والفجور.
وأن الإسلام قد جاء مقرًا بمعجزة ولادة المسيح عليه السلام بغير أب (إرادة من الله تعالى)، وبنطقه وكلامه (المسيح) في المهد تبرءة لوالدته (السيدة مريم)، وتمهيدًا لرسالته بعد ذلك.
لذلك: فإن المسلمين يؤمنون بالتوراة التي جاء بها نبي الله موسى عليه السلام من عند الله تعالى، وبالإنجيل الذي جاء نبي الله المسيح عليه السلام من عند الله تعالى، وبالقرآن الذي جاء به نبي الله محمد  من عند الله تعالى، وليس بأي من التوراة التي قد حُرِّفت وغيرت، والتي بأيدي اليهود اليوم، أو الإنجيل الذي قد ضُيِّع وحُرِّف، والذي بأيدي النصارى اليوم.
لذلك: فإن الإسلام الذي جاء يدعوا إليه النبي محمد ، هو الوحيد الذي يمكنه التوحيد بين كل من اليهود والنصارى والمسلمين، مما يؤكد مصداقيته، ومصداقية من جاء يدعوا إليه، ومن ثم مصداقية الكتاب الذي جاء به من الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، ألا وهو القرآن الكريم.
ثانيًا: ومما يُدلِّل على مصداقية القرآن الكريم:
أن الإنسان بفطرته يكون بحاجة للوحي الإلهي، حيث إن العقول مختلفة، لذلك فإن عليه (الإنسان) أن يُفكر في مصدر الكتب التي يؤمن بها، هل هي وحيٌ من الله تعالى أو غير ذلك (من صنع وتأليف البشر).
فإذا كانت وحيًا من الله تعالى، فلن يجد فيها أية اختلافات أو تناقضات، والأمر بالنسبة للكتاب المقدس للنصرانية أو الكتاب الذي بين يدي اليهودية على غير ذلك.
فالشخص السويّ الحذر يمكنه التمييز بين ما هو صحيح وبين ما هو مكذوب، وبين ما هو معقول وما هو غير معقول([1]).
فهناك  كتب كثيرة تدّعي أنها وحي إلهي، ومن ثم فإن الإنسان العاقل عليه أن يحكم عليها من خلال دراستها والتفكر فيها، ومعرفة حقيقة مصدرها وحقيقة مؤلفيها، ومن ثم يسأل نفسه:
هل ما تحتويه وتتضمنه هذه الكتب يليق ويرتقي بأن يكون بحق وحيًا من عند الإله الخالق القدير، المنزه عن كل سوء، أم لا؟
ومما أشرنا إليه سابقًا، يتجلّى لنا: أن القرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين (أهل السنة) هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الله تعالى عن كل ما قد افترته عليه اليهودية والنصرانية وغيرهما، وينزهه سبحانه وتعالى عن كل عَيْب ونقص، وذمٍ وسوء، وذلك لأن الله تعالى قد تعهّد بحفظه (القرآن الكريم) بعدما حُرِّفت وضُيِّعت التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السابقة، عندما وُكِّلت البشرية بحفظها.
لذلك: فإننا نجد أن القرآن الكريم قد حُفظ أشد ما يكون الحفظ، حيث قد حُفِظ كتابيًا وأيضًا شفاهيةً، حيث كان صحابة رسول الله  بجانب كتابتهم للقرآن الكريم، كانوا يحفظونه في صدورهم ويُحفِّظونه لمن بعدهم، ويُعلِّمونه لهم.
ثالثًا: ومما يوضح مصداقية القرآن الكريم، أننا نجد:
أن القرآن الكريم قد تحدّى الجميع، العرب وغيرهم، في كل مكان وزمان، في أن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثل سوره، من حيث البلاغة وروعة المعاني ودقة الألفاظ وسموها وائتلافها...، ولكن الجميع قد خابوا وفشلوا أمام هذا التحدي، ولقد شهد بُلغاء العرب بذلك.
ولا يزال هذا التحدي قائمًا إلى الآن، وإلى قيام الساعة، برهانًا على مصداقية القرآن الكريم وأنه كلام ربّ العالمين.
ولا عذر لمن يرفض هذا التحدِّي بزعم أنه لا يُحسن العَربية، لأن هناك الآلاف بل الملايين من النصارى واليهود وغيرهما، الذين يجيدون اللغة العربية لا سيما المستشرقين الذين درسوا اللغة العربية وتعلمّوها من أجل مُحاولة الطعن في القرآن الكريم.
ومع ذلك فإننا نجد عَجْزهم التام أمام هذا التحدّي، وفشلهم البيّن في التصدي له([2]).
وإضافة إلى ما ذكرنا، فإن القرآن الكريم يحتوي على جانب الإعجاز العلمي في شتى المجالات (طب ، فلك ، جيولوجيا ، ...) كشاهد على مصداقيته، وبرهان على أنه وحيٌ مُنزلٌ على النبي محمد  من الله تعالى.
حيث إن الكثير من آيات القرآن الكريم تشير إلى حقائق علمية مبهرة منذ أكثر من ألف وربعمائة عام، والتي لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا في هذا الزمان، بعدما يزيد على 14 قرن من نزول القرآن الكريم على النبي محمد ، والتي لم يكن لأحد أدنى معرفة بهذه الحقائق العلمية المبهرة وقت نزول آيات القرآن الكريم، فتكون هذه الآيات الكريمات من القرآن الكريم بجانب تضمنها للإعجاز اللغوي والبياني، ومضات مُبهرات، شاهدات على مصداقية القرآن الكريم، وصدق خاتم المرسلين محمد ، الذي جاء به (القرآن الكريم) هدى ورحمة للعالمين.
ولمن أراد التعرف على مزيد من هذا الجانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، يمكنه الرجوع إلى المصادر المتخصصة في ذلك، مثل:
مجموعة كتب: من آيات الإعجاز العلمي (السماء، الأرض ، الحيوانات، النباتات)، في القرآن الكريم – للدكتور زغلول النجار.
ومثل، مجموعة كتب: الإعجاز العلمي في السنة النبوية، للدكتور/ زغلول النجار.
ومثل، كتاب: إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.
ومثل، هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة.
إلى غير ذلك من المصادر المتخصصة في هذا الجانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
رابعًا: ومما يُدلّل على مصداقية القرآن الكريم:
أننا نجد أن القرآن الكريم ينزه الله سبحانه وتعالى عن كل نقص وسوء مما قد افترته النصرانية واليهودية وغيرهما عليه سبحانه وتعالى.
ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يُعظّم الله تعالى أشدّ ما يكون التعظيم، ويرفعه فوق تخيّل كل إنسان، وهذا هو اللائق به سبحانه وتعالى، فهو الإله الخالق العظيم.
ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يُكرم أنبياء الله تعالى ورسله، ويحفظ لهم منزلتهم الرفيعة، مما قد نُسب إليهم من النصرانية واليهودية إثر التحريف الكبير الذي قد نال من كتبهما.
ونجد أيضًا أن القرآن الكريم قد برّءَ المسيح من تهمة ادّعاءه للألوهية، ومن المنزلة التي قد رفعها إليه النصارى بغير وجه حق، ويبرءه أيضًا مما قد نسبته إليه اليهودية من الولادة بغية، بطريقة غير شرعية.
وفي الوقت ذاته: نجد أن القرآن الكريم هو الذي يُبجّل المسيح عليه السلام ويُكرمه كأحد أولي العزم من الرسل، أجرى الله تعالى على يديه الكثير من المعجزات كغيره من الأنبياء، تأييدًا لدعوته ورسالته.
ونجد أيضًا أن القرآن الكريم يكرم السيدة مريم، والدة المسيح، ويبرءها مما قد نسبتها إليه اليهود من الفحش والبغاء.
فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المُحكم (القرآن الكريم):
﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ  * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ
[سورة آل عمران: 45-46]
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، والتي يتبين منها أن القرآن الكريم يكرم المسيح عليه السلام كأحد أولي العزم من الرسل ويُبجّله، ويُكرم والدته (السيدة مريم)، مُبينًا أن ولادتها للمسيح عليه السلام إنما كانت بإرادةٍ من الله تعالى، وبشرى منه جلّ وعلا لها، ومن ثم تطهيرها مما قد نسبته اليهود إليها من الفحش والبغاء.
ونجد أيضًا: أن القرآن الكريم يبرئ المسيح عليه السلام مما قد نسبته إليه النصرانية، من سوء خلقه، وسوء معاملته لوالدته.
فبينما نجد في (إنجيل يوحنا إصحاح 2 عدد 4) أن المسيح قد أهان أمه وأساء المعاملة لها في وسط جمع من الناس، حيث إنه قال لوالدته «يا امرأة»، وفقا لما جاء بالكتاب المقدس للنصرانية، دون أدنى احترام وتبجيل أو عرفان للجميل، وكأنه أنكر حسن جميلها وصنيعها معه، نجد أن القرآن الكريم يصف المسيح عليه السلام ببره لوالدته، وحسن خلقه وجميل تعامله معها، حيث إن الله تعالى يقول مبينًا ما نطق به المسيح عند كلامه في المهد، وشاهدًا بصدقه:
﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا
[سورة مريم: 32].
خامسًا: ومما يُدلِّل على مصداقية القرآن الكريم:
أنه (القرآن الكريم) به حلٌ لجميع المشكلات، ليس هذا فحسب، بل عن فيه التوجيهات المثلى والإرشادات القويمة في شتى جوانب الحياة، ومثال ذلك:
المدة التي تنتظرها المرأة قبل أن تتزوج مرة أخرى، وذلك بعد طلاقها أو وفاة زوجها.
فإذا ما تمَّت مقارنة بين القرآن الكريم وبين أي مما  في أيدي النصرانية (الكتاب المقدس لها) أو اليهودية (التوراة التي قد تم تحريفها) في تحديد المدة التي تنظرها المرأة قبل أن تتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجها.
نجد:
عدم وجود أدنى توجيه أو إرشاد لتلك المدة التي تنتظرها المرأة في المسألة المشار إليها، وذلك في أي من التوراة التي بين يدي اليهودية اليوم، أو الكتاب الذي تؤمن به النصرانية وتدَّعي قدسيته، ولكننا نجد التوجيه الأمثل والإرشاد الأقوم في القرآن الكريم، كما هو الدأب دائمًا في شتى جوانب الحياة، حيث قال الله تعالى في كتابه الحكيم، القرآن الكريم:
﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ .... [سورة البقرة: 228].
أي أن المرأة المطلقة إذا ما أرادت أن تتزوج مرة أخرى، فعليها أن تنتظر مدة ثلاثة قروء أي ثلاث حيضات لها، وذلك كما أشرنا فيما يتعلق بالمرأة المطلّقة.
أما بالنسبة للمرأة التي توفى عنها زوجها، وأرادت أن تتزوج مرة أخرى، فعليها أن تنتظر مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، حيث يقول الله تعالى في كتابه المحكم (القرآن الكريم):
﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾
[سورة البقرة: 234].
وأما إذا كانت المرأة ذات حمل (أي تحمل في بطنها جنينًا)، وأرادت أن تتزوج مرة أخرى بعد طلاقها أو بعد وفاة زوجها، فعليها أن تنتظر مدة الحمل كاملة، إلى أن تضع حملها (جنينها)، وإذا كانت المدة المتبقية للحمل أقل من الأربعة أشهر والعشرة أيام في حالة المرأة التي قد توفّى عنها زوجها (مثلًا)، فعليها أن تنتظر المدة الأطول وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.
وقبل أن نبين المغزى والحكمة من التحديد لهذه المدد والأزمنة في كل من تلك الحالات المتفرقة، نثير تساؤلًا: كم يبلغ القرآن في دقته وشموله، في توجيهاته وإرشاداته للمسألة الواحدة، آخذًا في الحسبان الحالات المتعددة والمتفرقة لها؟ وعلى أي شيء يدل ذلك؟
لا شك بأن القرآن الكريم قد بلغ الكمال المصداقية في كل شيء.
وإذا ما أردنا أن نتعرف على حكمة القرآن الكريم في تحديده لهذه المدد والأزمنة (المشار إليها سابقًا) في كل من تلك الحالات المتفرقة، وأيضًا دلالة ذلك علميًا، فعلينا أن نعلم:
أن من الحكم الجليلة في فرض العدة (المدة المنتظرة) على المرأة: التأكد من براءة الرحم، حيث إن الله تعالى يقول:
﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [سورة البقرة: 228]
والذي يدل على براءة الرحم، هو: الحيض، لا الطهر.
فالمرأة إذا مَرّ عليها ثلاثة أطهار لم يدل ذلك على أنها حامل أم لا، لأن الطهر يأتي على المرأة الحامل وغير الحامل، أما إذا جاءت ثلاث حيضات فذلك يدل قطعًا على أنها غير حامل([3]).
ومما يُدعم ذلك القول، هو الآية الكريمة:
﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [سورة الطلاق: 4].
فهذه الآية الكريمة جعلت مناط الاعتداد بالأشهر: عدم الحيض، فدلّ ذلك مرة أخرى على أن الأصل هو الإعتداد بالحيض([4]).
ولكن اللافت للنظر هنا: هو تحديد عدد القروء (الحيضات) على أنها ثلاثة في حالة المرأة المطلقة، من أجل تبرءه الرحم.
والتساؤل: ما هو الإعجاز العلمي في هذا التشريع؟
حاصل الكلام: هو أنه من الممكن أن تحمل المرأة وأن تحيض مرة أولى، ثم تحيض ثانية، ولكن لا تستطيع أن تحيض مرة ثالثة، أي أنه بعدم وجود الحيض في المرة الثالثة يثبت الحمل بيقين.
وهكذا عندما يتيقن زوج هذه المرأة (التي قد طلقها) من حملها، فمن الممكن أن يراجع نفسه ويسترجعها من أجل عدم تدمير عائلة ناشئة، ولكي ينعم الطفل الآتي برعاية الأمومة والأبوة في آن واحد، وإلى ذلك تشير الآية القرآنية الكريمة. ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا [سورة البقرة: 228].
وبعولتهن، تعني: أزواجهن.
أما الآية الثانية، والتي تتحدث عن المرأة التي قد توفى عنها زوجها، فإنها تحدد عدتها: بأربعة أشهر وعشرة أيام، وذلك للتأكد أيضًا من براءة الرحم.
ودلالة ذلك علميًا: هو أن الأم الحامل في نهاية الإسبوع التاسع عشر أي عند قرب نهاية الأربعة أشهر والعشرة أيام تحسّ بحركات الجنين اللاإرادية، وأما قبل ذلك فحركات الجنين لا تشعر بها الأم، ولا تحسّ بأن الجنين حيّ.
وإذا مرّت الأربعة أشهر والعشرة أيام، ولم تشعر المرأة بحركة الجنين، فإنها تتيقن حينئذ بأن الجنين قد مات في أحشائها، فتباشر إزالته بالطرق الطبيّة.
وأمّا إذا شعرت الأم بالحركة للجنين فعدتها تنتهي بوضع حملها (أي ولادتها)، لقول الله تعالى: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..... [سورة الطلاق: 4].
وكما أشرنا في السابق، فإن المرأة تعتد أربعة أشهر وعشرًا لتتيقن من أن الجنين حيّ([5]).
ولتمام الفائدة، نوضح:
أن الآية الكريمة: ﴿ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة البقرة: 240].
منسوخ حكمها بالآية التي قبلها، والتي أشرنا إليها، وهي قول الله تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
[سورة البقرة: 234].
ومن ثم يتجلى لنا أن من الحكمة في بقاء الآية السابقة، المشار إلى نسخها وبقاءها تلاوة، أن يُفهم: أن المرأة المتوفّى عنها زوجها لها أن تعتد في بيت زوجها حولًا كاملًا على سبيل الاختيار منها، (أي إن اختارات ذلك) وليس على سبيل الوجوب عليها.
وغير ما أشرنا إليه الكثير والكثير من التوجيهات المثلى والإرشادات القويمة في شتى جوانب الحياة، بآيات القرآن الكريم، والتي يثبت عظيم دلالتها والإعجاز العلمي بها، كلما تقدّمت التقنيات والوسائل التكنولوجية في شتى الميادين والعلوم.
لذلك: فإنه يتبيّن لنا من التوجيهات المثلى بالقرآن الكريم وتشريعاته القويمة في شتى جوانب الحياة، الدليل الدامغ والبرهان القاطع على عظيم مصداقيته وكمالها.
وإذا كان النصارى يسمون التوراة بالعهد القديم، ويسمون الإنجيل بالعهد الجديد، فإنهم لو صدقوا مع أنفسهم لقالوا بأن القرآن الكريم هو العهد الأخير مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.
سادسًا، ومما يُدَلِّل على مصداقية القرآن الكريم:
أن القرآن الكريم ليس متضمنًا إلا على كلام الإله الربّ الخالق سبحانه وتعالى.
فإذا ما قارنَّا بين القرآن الكريم، وبين كتاب النصرانية (مثلًا) من هذا الجانب، فإننا نجد: أن الكتاب المقدس للنصرانية متضمن لثلاثة أنواع من الكلام، بل إن شئنا لقلنا أربعة أو خمسة أنواع، وهي:
أ- ما يصفونه بأنه كلام الإله الربّ.
ب- ما يصفونه بأنه كلام الإله الابن، الذي يزعمون أنه ابن الربّ.
جـ- ما نستطيع أن نقول عنه بأنه كلام المؤرخ الذي كان يكتب ما يسمع عنه، وهو ما يتكون منه معظم كتابها الذي تدّعي قدسيته.
د- الرسائل والقصص والأساطير الخيالية، وما يمكن أن يسمى بـ (ألف ليلة وليلة)([6]).
هـ- أنواعًا مختلفة من النثر، حيث تجمع بين النوع المُحرج والنوع الدنئ والنوع الفاحش.
وكل تلك الأنواع السابقة مجموعة بين جِلدتي كتاب واحد، تنسبه النصرانية إلى إلهها تحت مُسمى الكتاب المقدس لها.
وذلك ما لا يمكن لعقل سوي أن يتقبله (الكتاب المقدس للنصرانية) على أنه كلمة الله، فتعالى الله عز وجل عن كل ذلك العبث الذي تدَّعيه النصرانية علوًا كبيرًا.
أما بالنسبة للكتاب الذي بين أيدي المسلمين، وهو القرآن الكريم:
فإنه ليس متضمنًا إلا على كلام الله سبحانه وتعالى.
وأما بالنسبة لكلام النبي محمد ، الذي قد ختم الله تعالى به الأنبياء والرسل، فإنه مُسجّل محفوظ في كتب مُخصصة لذلك، وهي كتب الأحاديث النبوية الشريفة.
وأما بالنسبة لسيرته  (النبي محمد) من حيث ولادته، ومكان ولادته، وأزواجه وأولاده، ودعوته وهجرته، وجهاده، وأخلاقه، وعشرته، .... إلى وفاته وحسن خاتمته ، فإنها مسجلة محفوظة في كتب مخصصة لذلك، وهي كتب السيرة النبوية المطهرة.
وأما بالنسبة لكلام علماء المسلمين وأئمتهم (أهل السنة) فإنها مُسجلة محفوظة في كتب أخرى مخصصة لذلك.
والمسلم لا يساوي بين كل هذه الكتب، فكل منها لها مكانتها ومنزلتها([7]).
لذلك: فإنه لا يمكن مقارنة أي مما بأيدي اليهودية أو النصرانية اليوم بعد التحريف والضياع، بكتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، الذي جعله مهيمنًا على جميع الكتب السابقة.
وإذا ما أخذنا الكتاب الذي بين يدي النصرانية باعتباره مشتملًا على كتاب اليهودية تحت مُسمّى العهد القديم، لتوضيح انتفاء المشابهة بينه وبين القرآن الكريم من جانب آخر، وعلى نطاق أوسع، فإننا نبرهن على ذلك باختيار ثلاثة أسباب نقوم بتبيانها، وهي:
أ- لقد كان القرآن الكريم دائمًا ولا يزال بأيدي الناس، حيث قد كتبه الصحابة الكرام في زمن النبي محمد  وحفظوه في صدورهم، ومن ثم لم يختلف أحد على محتوى ومضمون القرآن الكريم.
وبعد وفاة النبي محمد  اجتمع صحابته الكرام، وقاموا بجمع القرآن كله في كتاب واحد، متفقين عليه، ولم يُنازع أ ويحتجّ أحد ويقول إنهم تركوا شيئًا من القرآن أو أضافوا للقرآن شيئًا ليس منه، فلم يحدث مثل ذلك أبدًا، وذلك منذ البداية.
أما بالنسبة لكتاب النصرانية التي تزعم قدسيته، فلم يكن له مثل ما حظي به القرآن الكريم من هذا التاريخ المجيد الذي قد أشرنا إليه، أو ما يدانيه.
فلقد كان الكتاب المقدس للنصرانية ملكًا للكنيسة، وليس ملكًا للناس، أي أنه كان في حوزة الكنيسة ورجالها، ولم يكن بإمكان العامة الإطلاع عليه أو قراءته أو معرفة ما يناله من تحريفات وتغييرات، وإضافات وتبديلات، وفقًا للأهواء والشهوات، عبر المؤتمرات، والتاريخ شاهد على ذلك.
وأيضًا، فإن الكتاب المقدس للنصرانية إنما يرجع إلى أكثر من 300 سنة بعد المسيح، حيث لم يتم كتابة أي شئ منه في زمن المسيح([8]).
ب- أننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية عندما كُتب كان ذلك بلغات ميّتة أو بائدة، وإذا ما أرادت النصرانية الرجوع إلى أقدم نسخة لكتابها، فإنها ترجع إلى تلك النسخ التي قد دُوِنت بتلك اللغات الميتة البائدة.
حيث إن الكتاب المقدس للنصرانية مكتوب باللغة اليونانية القديمة، والآرامية القديمة، والعبرية القديمة، وهي لغات لا يتحدث بها أحد اليوم، وقلة من العلماء تعرفها([9]).
لذلك فإنه من اليسير عند ترجمتها، أن ينالها التغيير والتبديل والتحريفات وفقًا للأهواء والشهوات واختلاف العقول.
وما نراه من اختلاف النسخ بالنسبة للكتاب المقدس للنصرانية، والتي كان من المفترض ألا تكون متعددة (أي لا يكون هناك أكثر من نسخة واحدة، حيث إن النسخ بخلاف الترجمات)، وكثرة المراجعات والتنقيحات إلى يومنا الراهن والتي ستظل كذلك إلى ما شاء الله، برهان على صدق ما نقوله.
وأما بالنسبة للقرآن الكريم:
فإنه مكتوب بلغة حيّة، وهي اللغة العربية، حيث يتحدث بها الملايين والملايين من المسلمين اليوم، في مختلف البلدان سواءً كانت العربية أو غيرها من البلدان الأوروبية والآسيوية والإفريقية وغيرها في مختلف قارات العالم.
ولذلك: فإننا نجد اجتماع الأمة الإسلامية قاطبة على القرآن الكريم، دون أدنى خلاف أو إشكال حوله.
ج- أننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية قد وصل عبر مخطوطات كثيرة جدًا، مختلفة، حيث لا تطابق بينها.
لذلك: فإننا نجد أن الكتاب المقدس للنصرانية مليء بالحواشي، حيث إنه عند قراءة فقرة منه (على سبيل التوضيح)، فإننا نجد في الحاشية ترجمةً بديلةً لتلك الفقرة، أو ما شابه ذلك.
بينما، نجد أن القرآن الكريم، لم يختلف فيه أحد، ولم يتنازع حوله، ولو في حرف واحد من حروفه.
حيث لم يذهب أحد إلى القول بأن هذا الحرف خطأ في طبعة .... أو .......، إلا إذا كان خطأً في الطباعة، وذلك يُعالج، بل إن ذلك مُنعدمًا اليوم بعد التقدم في التقنيات والوسائل التكنولوجية في الطباعة.
فلا نجد أحد يُنازع ويقول إنه كان يجب أن تكون (الكلمة أو الحرف) هكذا، أو لا يجب أن تكون كذلك.
لذلك: فإنه لا يوجد أدنى جدل حول القرآن الكريم، مما يُدلِّل على مصداقيته، وأن الله تبارك وتعالى قد حفظه حفظًا تامًا، من أدنى تحريف أو ضياع.
وفي هذا إشارة إلى عالمية الرسالة المحمدية، وإلى أنها الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات السابقة، وذلك لأن الله تعالى قد حفظها([10]).
وقبل أن نختم هذه النقطة، نقوم بإلقاء المزيد من الضوء حول الترجمات، والتفرقة بينها وبين النسخ.
فالنسخ المختلفة، تعني: الاختلاف في النصوص نفسها.
ويمكن توضيح ذلك بجلاء، في أننا على سبيل المثال، نجد: أن طائفة البروتوستانت وهي إحدى طوائف النصرانية، تقول بأن النسخة المعتمدة لديها من الكتاب المقدس للنصرانية هي نسخة الملك جيمس، وهي لا تتضمن 7 كتب قد تضمنتها النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس للنصرانية، لطائفة الكاثوليك، وهي أيضًا إحدى طوائف النصرانية.
وفي الوقت ذاته، نجد أن النسخة المعتمدة من الكتاب المقدس للنصرانية لطائفة الأرثوذوكس، التي هي أيضًا إحدى الطوائف النصرانية، قد تضمنت كتبًا أكثر من تلك النسختين التي بأيدي طائفة البروتوستانت أو حتى طائفة الكاثوليك.
إضافة إلى كثرة النسخ وتعددها للطائفة الواحدة من أي من طوائف النصرانية، نظرًا للتغييرات والاختلافات في النصوص ذاتها لنفس تلك النسخة من عام لآخر، ومن بلد لآخر، عبر ما يسمونه بالمراجعات والتنقيحات إلى حد التشتت والتشرذم.
وأما بالنسبة للترجمات المختلفة، فإنها تعني: اختلافا في اختيار وانتقاء الكلمات التي يمكن التعبير بها عن معنى النص الأصلي، والذي يظلّ ثابتًا متفقًا عليه، دون أدنى تغيير، وهذا ما نجده في ترجمات معاني القرآن الكريم.
حيث إن الترجمة لا تُسمّى قرآنًا، ولا تسمى ترجمة للقرآن، وإنما تسمى ترجمة معاني القرآن الكريم أو ترجمة تفسير القرآن الكريم.
فالترجمات لمعاني أو تفسير القرآن الكريم ليست قرآنًا، لذلك فإن هذه الترجمات ليست معجزة، حيث يمكن أن يؤتى بترجمة أحسن وأفضل مما هي عليه الآن.
ولكن المعجز هو القرآن الكريم نفسه، حيث إنه معجز باللفظ العربي، وبالمعنى الدقيق البليغ،... إلى غير ذلك، ولا يمكن تشبيهه (القرآن الكريم) بأي كلام آخر.
فالقرآن الكريم هو الوحي الإلهي، وهو باللفظ العربي الذي قد نزل به، كل حرف، وكل كلمة، وكل آية، وكل سورة، وكل بسملة في أولها، بل إن ترتيب السور في القرآن الكريم هو ترتيب توقيفي دقيق محفوظ، لم يُبدّل ولم يُغيّر، فهو ترتيب مُعجز؛ لا يمكن أن يؤتى بمثله في العربية، أوفى غيرها من اللغات([11]).
وشاهد ذلك بلغاء العرب وحكمائهم الذين شهدوا بذلك، حيث إنهم أهل اللغة، وأهل البلاغة والفصاحة والبيان.
ومن موجز ما أشرنا، فإن ما نستنتجه بيقين، هو: المصداقية التامة للقرآن الكريم الذي جاء به النبي محمد r، خاتمًا به الله تعالى الأنبياء والمرسلين.



([1]) الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، بتصرف للشيخ/ أحمد ديدات.
([2]) الاختيار بين الإسلام والنصرانية، بتصرف للشيخ/ أحمد ديدات.
([3]) إعجاز القرآن في ما تحفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.
([4]) إعجاز القرآن في ما تحفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.
([5]) إعجاز القرآن في ما تحفيه الأرحام، أ/ كريم نجيب الأغر.
([6]) هل الكتاب المقدس كلمة الله، للشيخ / أحمد ديدات.
([7]) هل الكتاب المقدس كلمة الله، بتصرف للشيخ/ أحمد ديدات
([8]) من كتاب، الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، للشيخ/ أحمد ديدات.
([9]) نفس المصدر السابق بتصرف.
([10]) الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، للشيخ/ أحمد ديدات.
([11]) المسيح في الإسلام، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق