الأحد، 25 ديسمبر 2011

كيفية وصول الأناجيل، واختيارها، ونسبة الكلام المنسوب إلى المسيح فيها



بداية، علينا أن نعلم: أنه لابد لكون الكتاب سماويًا (أي لكونه منزّل من عند الله تعالى، لا من تأليف وصنع البشر) واجب التسليم به:
أن يثبت أولًا، بدليل، أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفلاني، ووصل بعد ذلك بالسند المتصل بلا تغيير ولا تبديل.

والاستناد إلى شخص يُدعى أنه ذو إلهام بمجرد الظنّ والوهم (كما تزعم النصرانية) لا يكفي في إثبات أنه كتاب سماوي.
لذلك: فإن أهل الكتاب لا يوجد لديهم سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية)، وهم مُقرّون ومُعترفون بذلك، حيث يقولون:
إن سبب فقدان السند عندنا (المسيحيين) هو وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة 313 سنة ([1]).
والعجيب: أنه على الرغم من فقدان النصرانية لسند كتابها المقدس، وعدم وجود سند لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) يثبت رجوعه إلى زمن المسيح، إلا أنها ببساطة، وبلا أدنى مبالاة، تؤمن بما في يديها من مؤلفات بشرية خاضعة للتناقض والاختلافات، والتغيير بتقادم الزمان، وتنسبها إلى الله تعالى، دون حجّة أو برهان، ودون دليل وسلطان مبين.
والعجيب أيضًا:
أنه عند التفحص في كتب الإسناد لها (النصرانية) لا يُرى فيها شيئًا غير الظنّ والتخمين، فهي تعتمد على الظن والتخمين، لا على الدليل والبرهان.
ومن المعلوم أن الظنّ لا يغني من الحق شيئًا، وما دامت لم تأت (النصرانية) بدليل شاف وسند متصل، فهذا يدل على أن ما بيديها الآن ليس بكتاب سماوي، حيث تناولته الأيدي البشرية الخبيثة بالتحريف والتبديل تبعًا للأهواء والشهوات، كما يتضح ذلك مما يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية ويحتويه من تناقضات واختلافات ([2]).
ولذلك: فإننا نجد أن كتاب النصرانية يتضمن كتبًا تسمّى باسم متى ولوقا ومرقس ويوحنا، وبولس، .... بالإضافة إلى ضعفي هذا العدد من الكتب ذات الأسماء الغامضة.
ومن العجيب أيضًا: أنه لا يوجد كتاب واحد من تلك الكتب (التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية) يُنسب إلى المسيح.
وهنا نشير إلى إحدى الشواهد والدلائل والبراهين التي تشهد بصدق رسالة النبي محمد r، وهي: أنه لو كان محمد r هو مؤلف القرآن الكريم، ما كان ليعجز عن أن يجعل القرآن الكريم متضمنًا بجانب السورة التي تسمى باسم مريم (والدة المسيح)، سورة أخرى باسم والدته r، الحانية العطوفة (آمنة)، أو زوجته العزيزة (خديجة)، أو ابنته الحبيبة (فاطمة)، ولكن حاشاه r أن يفعل مثل ذلك، فمثل ذلك لا يمكن أن يكون أبدًا، وذلك:
لأن القرآن الكريم ليس من صنع أو كلام محمد، وإنما هو كلام الإله الخالق، رب العالمين([3]).
ومما سبق، يمكن القول: بأنه لا يمكن توضيح كيفية وصول الأناجيل إلى يدي النصرانية اليوم، لأنه لا سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد، التي يتضمنها كتابها المقدس.
ولكن ما يمكن توضيحه بإيجاز: هو كيفية نشأة الكتاب المقدس للنصرانية.
فالكتاب المقدس للنصرانية، ما هو إلا بقايا من الذكريات المتناثرة، حيث ظلّت تتناقل شفاهية، تفسرها الأهواء، وتضيف إليها، وتحذف منها، وتحرفها كيفما تشاء، حتى تم إخراجها عن إطارها الربّاني، وإلقاءها في أحضان عدد من الوثنيات القديمة، والفلسفات الوضعية، التي جعلتها عاجزة عن هداية أتباعها([4]) (كما أوضحنا في النقاط السابقة).
وهذا هو السبب الحقيقي من وراء المظالم التي تسود الأرض في زماننا، من جهة النصرانية.
وحين تم التدوين لبعض تلك الذكريات القديمة، تم بلغات غير لغات الوحي([5])، حيث إن أقدم إنجيل نجده، إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلمها المسيح، بل إن أقدم إنجيل يرجع زمانه إلى ما يقارب الـ 300 سنة أو يزيد من زمن المسيح.
ولقد تم ذلك التدوين لتلك الذكريات القديمة بواسطة أقلام متفرقة (أقلام مؤلفي الأناجيل وغيرهم من أصحاب الرسائل ومن سواهم)، في أماكن متعددة، وفي أزمنة متباعدة، وصلت إلى العديد من القرون بعد موت أو رفع الرسول الذي تلقّى الرسالة الأصلية، والتي فقدت أصولها السماوية بالكامل.
ولذلك تعدّدت الأسفار والأناجيل، وتناقضت المعلومات وكثرت المراجعات إلى يومنا الراهن، وستظل كذلك إلى ما شاء الله([6]).
وفي ذلك دليل دامغ على أن الكتاب المقدس للنصرانية، ليس بكلام الإله الخالق، وإنما هو مؤلف كبير للعديد من المؤلفين.
كيفية اختيار الأناجيل:
لقد تم اختيار الأناجيل الأربعة (متى ولوقا ومرقس ويوحنا) التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، من بين الكثير والكثير، العشرات والعشرات، بل المئات والآلاف من الأناجيل.
ولقد تم اختيارها وفقًا لما يتوافق مع الأهواء من تأليه للمسيح (كما كان ذلك معتادًا في معتقد كلا من اليونان والرومان، وغيرهما، من تجسيد للإله في صورة بشرية، كما أوضحنا سابقًا)، وتبعًا للشهوات، كما في تحليل وإجازة شرب الخمور ... وغير ذلك.
أي، أنه قد تم اختيار تلك الأناجيل بلا أدنى أسس عقلية منطقية.
ولقد كان من الممكن أن تكون الأناجيل المُختارة غير تلك الأناجيل الأربعة، أو أن يكون عددها أقل أو أكثر من أربعة أناجيل.
والتساؤل المهم: هل يمكن أن يكون كتاب الإله الخالق، العليم الحكيم، العظيم القدير، عُرضة لمثل تلك الاحتمالات أو غيرها؟!
بالطبع: كلا، لذلك فإن الكتاب المقدس للنصرانية الذي كان مُعرضًا لأن يكون عدد الأناجيل المختارة به أقل أو أكثر من الأربعة أناجيل المتضمن لها حاليًا، لا يمكن أن يكون كلام الإله الخالق، العليم الحكيم، العظيم القدير، وإنما هو مؤلف كبير للعديد من المؤلفين المجهولين، والذي كان من الممكن ببساطة، أن يكون لغيرهم (لغير مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية)، إذا ما تمّ اختيار غير تلك الأناجيل الأربعة.
ومن التناقض العجيب:
أن تلك الأناجيل التي قد تم اختيارها، ليست منسوبة إلى المسيح عليه السلام، وهو الذي قد أنزل الله تعالى عليه الوحي، لا غيره من مؤلفيها (مؤلفي الأناجيل).
فإننا نجد ما يسمى بإنجيل متى، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل لوقا، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل مرقس، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا ما يسمى بإنجيل يوحنا، وليس بإنجيل المسيح عليه السلام.
بل إن ما زاد من ذلك التناقض العجيب:
أن ما بتلك الأناجيل الأربعة، التي قد تمّ ترشيحها لإدراجها ضمن الكتاب المقدس للنصرانية، ليست بكلام المسيح، ولكنها من كلام غيره، حيث إن نسبة الكلام المنسوب إلى المسيح في تلك الأناجيل الأربعة لا يتجاوز الـ 10% ، على الرغم من أن المسيح هو من أُنزل عليه الوحي، وهو من جاء بالرسالة.
ويوضح ما ذكرنا: ما يُسمّى بإنجيل الحروف الحمراء، حيث إن ما كتب بالحروف الحمراء (ذات اللون الأحمر) هو ما نسب إلى كلام المسيح، وهو لا يتجاوز الـ 10% مما كتب فيها، والباقي يرجع إلى أشخاص ومؤلفين آخرين (مجهولين)، وهو مكتوب بالحروف ذات اللون الأسود.
لذلك: فإن ما أشرنا إليه، يوضح ويؤكد أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس من كلام
الله تعالى، وإنما هو مؤلف لمجموعة من البشر المجهولين.



([1]) كتاب إظهار الحق، بتصرف يسير، للشيخ/ رحمة الله الهندي.
([2]) كتاب إظهار الحق، بتصرف يسير، للشيخ/ رحمة الله الهندي.
([3]) المسيح في الإسلام، بتصرف يسير للشيخ/ أحمد ديدات.
([4]) من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (الحيوانات)، للدكتور/ زغلول النجار.
([5]) نفس المصدر.
([6]) من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، بتصرف يسير د/ زغلول النجار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق