الأحد، 25 ديسمبر 2011

فقدان مصداقية الكتاب المقدس للنصرانية



إنه لمن العجيب أن نجد كتابًا يُقدَّس على الرغم من عدم وجود سند متصل له، وذلك هو حال النصرانية الذي نشاهده، حيث إنها تزعم قدسية الكتاب الذي بين يديها، مع عدم وجود سند متصل لكتاب واحد من كتب العهد القديم أو الجديد الذي يتضمنها كتاب النصرانية.

فلابد لكون الكتاب سماويًا، واجب التسليم به: أن يثبت أولًا بدليل أن هذا الكتاب كُتب بواسطة النبي الفاني (أي معلوم اسمه ونبوته)، ثم وصل بعد ذلك بالسند المتصل (عن طريق أشخاص معلوم أسماءهم وأحوالهم وصدقهم) بلا تغيير ولا تبديل.
أما الاستناد إلى شخص يُنسب إليه الإلهام بمجرد الظن والوهم (كما تدّعي النصرانية) فلا يكفي لإثبات أن الكتاب الذي بين يديها كتاب سماوي([1]).
والنصرانية تقول: أن سبب فقدان السند عندها هو وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة 313 سنة([2]) (من بعد المسيح)، وذلك يعد اعترافًا منها (النصرانية) بضياع الإنجيل من بين يديها.
فعند التفحص في كتاب الإسناد لها، لا يُرى فيه شيئًا، غير الظن والتخمين، فهي (النصرانية) تعتمد على الظن والتخمين، ومن المعلوم أن الظنّ لا يُغني من الحق شيئًا([3]).
وما دامت (النصرانية) لم تأت بدليل شاف وسند متصل، فهذا يدل على أن ما بين يديها الآن ليس بكتاب سماوي([4])، حيث تناولته الأيدي البشرية بالتحريف والتبديل وفقًا للأهواء والشهوات، كما يتضح من مضمون كتابها.
ومعلوم أن النسخ المشهورة للعهد القديم (الذي تؤمن به اليهودية، والذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية كجزء منه) عند أهل الكتاب 3 نسخ:
النسخة الأولى: وهي النسخة العبرانية، وهي المعتبرة عند اليهود وعلماء البروتستانت([5]).
النسخة الثانية: وهي النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عند المسيحيين إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانوا يعتقدون إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، والنسخة اليونانية إلى هذا الزمان معتبرة عند الكنيسة اليونانية، وعند كنائس المشرق([6]).
النسخة الثالثة: وهي النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين([7]).
والعجيب: أن بين تلك النسخة (المشهورة عند النصرانية) تناقضات واختلافات كثيرة. فكثير من كتب العهد القديم كانت مشكوكة غير مقبولة عند النصرانية إلى ثلاثمائة وأربع وعشرين سنة، وفي سنة 325 م انعقد مجلس علماء النصرانية (المسيحية) بحكم السلطان قسطنطين ليتشاوروا الأمر في تلك الكتب المشكوك فيها، مع أن المسيحيين القدماء قالوا بأن اليهود قاموا بتحريف التوراة لتصير الترجمة غير معتبرة، ولعناد المسيحية.
ولكننا نجد: أنه على الرغم من أن تلك الكتب مشكوك في صحتها، إلا أنه بعد العديد من انعقاد المجالس المسيحية، صارت تلك الكتب (المشكوك فيها) مُسلّم بها بين جمهور المسيحيين، إلى أن ظهرت فرقة البروتستانت، فردّوا حكم أسلافهم في بعض الكتب التي كانت مشكوكة فيها مرة أخرى([8]).
والتساؤل هنا:
فهل يعقل أن تكون مثل تلك الكتب (المشكوك في صحتها) والتي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية وحيًا من عند الله تعالى، يستقي الناس منها الأحكام الشرعية ليستنيروا ويهتدوا بها في دنياهم؟!
بالطبع: لا.
وماذا إذا انعقد مجلس آخر من المجالس المسيحية في هذا الزمان، أو فيما بعد، ليتشاوروا في أمر تلك الكتب (المشكوك فيها من قبل ثم صارت مسلمة بها) مرة أخرى، وقالوا بعدم صحتها، فهل تصير بذلك كتبًا غير سماوية؟!
وهل ذلك الكتاب (الكتاب المقدس للنصرانية) الذي يتضمن ويحتوي مثل تلك الكتب المشكوك فيها، والتي تخضع في كل حين للتشاورات والمداولات والمجادلات، كتابًا مقدسًا، مُنزّهًا عن الشكوك والأخطاء، محفوظًا من الله تعالى؟!!
بالطبع: لا.
وهل انعقاد المجالس التي تختلف فيها الآراء وتتغير من حين لآخر، ومن مكان لآخر، لاتخاذ القرار أمر تلك الكتب المشكوك فيها، هو المقياس الذي يقبله عقل راجح رشيد، للحكم على مثل تلك الكتب إن كانت سماوية أم لا؟؟
بالطبع: لا.
فالحق بيّن، لا يلتبس مع الباطل، لذلك: فإن الكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته، لا يمكن أن يكون كتابًا سماويًا، ومن ثم فهو ليس بكلام الله تعالى.
ومع أننا نجد أن الأناجيل قد ضُيِّعت وحُرِّفت، إلا أننا نجد أن النصرانية تحاول القول بأن كتابها (الذي تقدسه) كامل (أي لا عيب فيه)، ولكنها سرعان ما تناقض ذلك القول لما هو فوق استطاعتها، حيث تجد (النصرانية) أن الأصل مفقود، وذلك يتناقض تمامًا مع ادّعاءها بكمال كتابها.
فكما هو متضح: فإن أقدم إنجيل موجود إنما هو باللغة اليونانية، وهي لغة لم يتكلمها المسيح، وكذلك لم يُدوّن أي إنجيل في عهد المسيح.
وكذلك، فإن أقدم إنجيل إنما يعود زمانه إلى ما يزيد على مائتي عام من زمن المسيح، إلا أنه قد بقيت بعض الإشارات (مضمونًا) إلى النبي الخاتم الذي سوف يأتي بعد المسيح، مع ما في النصوص من تحريفات واضحة.
وأيضًا، نجد أن النصرانية (المسيحية) تُمايز وتُفرِّق بين أناجيلها، فتقول إنجيل متى، أو إنجيل لوقا .... إلى غير ذلك، ولكننا من وسط تلك الأناجيل المختلفة لا نجد إنجيل المسيح الذي جاء به من الله تعالى.
ومن العجيب: أنه مع ضياع الإنجيل الذي جاء به المسيح من الله تعالى، أو تأليف الكثير من المؤلفين لأناجيل كثيرة مختلفة تبعًا لأهواء كل منهم، وإيمان النصرانية بتلك الكتب المؤلفة من كثير من المجهولين على أنها وحي من الله (كذبًا وزورًا)، إلا أننا نجد أن 50% من واضعي الأناجيل ليسوا بجواري المسيح.
والتساؤل المهم: فبأي صفة أو ادّعاء (باطل) كان تأليفهم لمثل تلك الأناجيل؟
ومن أين كانت كتاباتهم لتلك الأناجيل المختلفة في حين أنه لم تكتب كلمة واحدة في حياة المسيح (وفقًا لما تعتقده المسيحية)؟!!
لا شك: أن مثل تلك الكتابات المتعددة للأناجيل المختلفة كانت تبعًا لأهواءهم وما تمليه عليهم عقولهم المختلفة.
وكما أوضحنا سابقًا، فإن المؤلفين الأصليين لتلك الأناجيل المختلفة مجهولون.
وعلى سبيل المثال (لا الحصر):
فإن إنجيل متى ليس بإنجيل متى، وقد فصَّلنا في ذلك سابقًا، حيث إن مؤلفه الحقيقي ليس متى، وإنما مؤلف مجهول غير معلوم.
أيضًا: نجد أن مما يقوله مراجعوا النصوص المنقحة (للنصرانية):
أ- أن سفر صموئيل كاتبه مجهول.
ب- سفر أخبار الأيام الأول كاتبه مجهول، ويحتمل أن يكون عذرا، وغير ذلك الكثير، وسوف نوضح جزءً منه بمشيئة الله تعالى في النقاط القادمة.
لذلك: فإن النصرانية نفسها تقول: بعدم إيمانها بالوحي اللفظي، حيث إنه لا ملجأ لها إلا مثل تلك الافتراءات بعدم وجود وحي لفظي، وذلك:
لضياع إنجيل المسيح من بين يديها.
ولعدم وجود سند متصل لأي من تلك الكتب التي يتضمنها كتابها (كتاب النصرانية) الذي تزعم قدسيته، وهي (النصرانية) لا تنكر ذلك، بل تقرّه وتعترف به، كما أوضحنا في السابق.
فمعتقد النصرانية (المسيحية) بعدم الإيمان بالوحي اللفظي يعني:
أنها تعتقد بأن كلام الله غير محفوظ.
وإذا كان كلام الله تعالى غير محفوظ (وفقًا لادّعاءات النصرانية)، فمن أين نتعرف على كلام الإله الخالق الذي نتعبد به (بقراءته وتلاوته، وتدارسه، ومعرفة الأحكام والتشريعات منه) مما سواه من كلام البشر المخلوقين؟!!
لاشك، أنه لا سبيل لذلك، لأنه حينئذ يكون الأمر مختلطًا، ويكون الحق قد اختلط بالباطل، ولذلك:
فإن الله عز وجل حاشاه أن يترك كلامه غير محفوظ من اختلاط كلام عبيده به.
وإذا كانت المسيحية لا تعتقد بالوحي اللفظي، فإن ذلك يعني: أن الكلام الذي بين يديها إنما هو لأشخاص بشرية، يسري عليهم ما يسري على المخلوقات على سطح الأرض، من أخطاء وسهو ونسيان، إضافة إلى تعرضه للتغيير والتعديل، تبعًا لاختلاف العقول وطريقة التفكير من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، وتبعًا للانقياد خلف الأهواء والشهوات.
والتساؤل هنا، أيضًا: ما هو الضمان الحقيقي إذن لسلامة ما ألّفه مؤلفي الأناجيل المختلفة من الأخطاء والتناقضات والاختلافات؟!!
بالتأكيد: لا ضمان حقيقي لسلامة ما ألّفوه سوى الأوهام والظنون، والأخطاء والتناقضات والاختلافات التي تعج بها مؤلفاتهم برهان ذلك.
ونثير تساؤلاً جديدًا، وهو: من أين نحصل على مصداقية ما ألّفوه (مُؤلفوا الأناجيل)؟؟
والجواب المؤكد، هو: أنه لا سبيل للحصول على مصداقية ما ألّفوه (مؤلفوا الأناجيل)، فالأناجيل التي ألّفت كثيرة جدًا، ولكن النصرانية قد اتفقت على تلك الأناجيل الأربعة، المُدرجة ضمن كتابها الذي تقول بقدسيته، ومع ذلك: فإن تلك الأناجيل الأربعة المختارة بينها اختلافات كبيرة وتناقضات كثيرة.
ومثال ذلك: نَسَب المسيح في كلٍ من إنجيل متى ولوقا، حيث نفاجئ أنه في سلسلة النسب المزعوم للمسيح في كل من إنجيل متى ولوقا: لا نجد اسمًا واحدًا مشتركًا بين تلك الأسماء الموجودة في القائمتين لذلك النسب الباطل سوى اسم يوسف، والذي يزعم كتاب النصرانية (المسيحية) في غرابة أنه والد المسيح ، على الرغم من تأليهها له (المسيح).
لذا، فإننا نستنتج: أن الإنسان بحاجة للوحي الإلهي، حيث إن العقول البشرية مختلفة. والإنسان عليه أن يُفكر في مصدر تلك الكتب التي يؤمن بها، هل هي وحي من الله تعالى، أم غير ذلك.
فإذا كانت وحيًا من الله تعالى، فلن نجد فيها أية تناقضات أو اختلافات، ولا شك أن الأمر بالنسبة للكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته على غير ذلك، كما أوضحنا سابقًا.
فالشخص السويّ الحذر، الطالب للحق، المتبع له، يمكنه التمييز بين ما هو صحيح صادق وبين ما هو باطل مكذوب، وبين ما هو معقول وما هو غير معقول.
فهناك كتب كثيرة تدَّعي أنها وحي إلهي، ومن ثم فعلى الإنسان العاقل أن يحكم على مؤلفها أ ومصدرها، ويجب عليه أن يقرأها ويتفكّر فيها.
هل ما تحتويه وتتضمنه يليق بأن يكون بحق من عند الإله الخالق، العظيم، المنزّه عن كل سوء أم لا؟؟
والكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته لا يليق مطلقًا بأن يكون من عند الإله الخالق، العظيم المُنزّه عن كل سوء، ويمكن توضيح بعض من أسباب ذلك، على النحو الآتي:
1- أن الكتاب المقدس للنصرانية مليء بالعبارات الرذيلة والقصص الفاحشة، التي تصور العديد من مشاهد الزنا صورة بصورة، ومشهدًا بمشهد، حتى وكأنه دورات تدريبية متخصصة في كيفية الدخول في ذلك المجال العَفِن والتمرّس فيه، وقد أشرنا في السابق إلى مواضع بعض من تلك القصص الرذيلة، والتي يستعف اللسان عن ذكرها، لما فيها من فحش وإثارة للغرائز الجنسية.
ويذكر الشيخ الداعية/ أحمد ديدات قصة واقعية معلومة، يُفضل ذكرها في هذه الجزئية للبيان والإيضاح، فيقول:
أنه كان كتيب صغير يجري تداوله، يحتوي على 9 فقرات من الكتاب المقدس للنصرانية، وحدث أن شخصًا أرسله إلى لجنة المراقبة، وقال لهم: اقرءوا هذا، ما هذا الكلام؟!
أي: ما ذلك الكلام البذئ الفاحش الجاري تداوله دون مراقبة منكم عليه، ومن ثم الحظر له؟!
فما كان من لجنة المراقبة إلا أن أصدرت قرارًا يقضي بحظر تداول ذلك الكتيب، وهم لا يُدركون أن تلك الفقرات التسع (9) هي جزء من كتابهم الذي يزعمون قدسيته، وأن تلك الفقرات هي من (سفر حزقيال، الإصحاح 23).
فاللغة المستخدمة في كتاب النصرانية فاسقة إلى حد بعيد، ولذلك حَظَرت حكومة جنوب إفريقا تداول ذلك الكتيب الذي أشرنا إليه، وكان من ضمن هيئة الرقابة اثنين من القساوسة حين حظروه، ولكنهما لم يعلما أنهما قد حظرا أجزاء من كتابهم الذي يقدسونه.
فالموجود بالكتاب المقدس للنصرانية (من مثيل تلك العبارات الرذيلة والقصص الفاحشة) هو الذي قد أدّى إلى تلك المفاسد في العالم المسيحي، لا سيما في أوقات أعياد الميلاد المزعومة، وفي كنائسهم في تلك الأوقات (أعياد الميلاد)، عند شربهم للمسكرات والخمور التي تذهب العقل، وتوقع في مثل تلك الرذائل والفواحش.
فإذا قرأ الإنسان موادًا فاسدة، فلابد أن يكون عقله فاسدًا.
والتحدّي الذي أثاره الشيخ/ أحمد ديدات، هو التحدّي لأي مُبشر نصراني (داع إلى النصرانية) إذا كان عفيفًا فاضلًا أن يقرأ من تلك الفقرات (التي أشرنا إليها بسفر حزقيال من الكتاب المقدس للنصرانية) على أهل كنيسته أو والدته أو زوجته أو بناته، أو خطيبته إذا كانت امرأة عفيفة فاضلة.
ولكن إذا كان إله النصرانية لم يستح ولم يخجل من إنزال تفاصيل الدعارة وعهر الزانيات، فهل يستحي من يعتقد بتلك البذاءات على أنها كلام الله، أن يقرأها على أي أحد؟!!
ولذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية هو الذي قد أدّى إلى الكثير والكثير من المفاسد المنكرة والرذائل الخبيثة التي يمتلئ ويعجّ بها العالم المسيحي.
وإذا ما استحى الإنسان العفيف الفاضل عن قراءة مثل تلك الفقرات من الكتاب المقدس للنصرانية، فإن ذلك لا شك يكون برهانًا على تحريفه وخروجه عن الإطار الربّاني.
ويوضح ذلك، هذا التساؤل البسيط: هل هذا الإنسان الحَييّ الفاضل، أكثر وأشدّ حياءً من الله تعالى؟!!
بالطبع: كلا.
إذن، فالله تعالى حَييّ عن أن ينزل مثل تلك القذارات والرذائل والفواحش في الكتاب الذي تنسبه إليه النصرانية، فهو جل وعلا القدوس المنزّه عن كل نقص وعيب وذلَل.
لذلك، فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون بكلام الإله العظيم الخالق، ولا أيضًا بكلام إنسان فاضل عفيف.
ونجد أيضًا بالكتاب المقدس للنصرانية:
أن المسيح على الرغم من تأليه النصرانية (المسيحية) له، وإتخاذه إلهًا يُعبد، (غلوًا وافتراءً)، إلا أنه لم يسلم من افتراءاتها (النصرانية) عليه، حيث دسّت (النصرانية) أبناء الزنى في العهد القديم في سلسلة نسب مزعومة للمسيح، مع أنها (النصرانية) تعتقد بألوهيته وأنه مُخلِّص الشعوب، وعلى الرغم أيضًا من أن المسيح لا نسب له أصلًا (لأنه وُلِد من غير أب من السيدة مريم العذراء)، إلا أن النصرانية قد اخترعت له نسبًا متضمنًا ستة (6) زناة وذريتهم([9])، مع أنهم (الزناة) كان من المفترض أن يُرجموا وفقًا لحكم الله تعالى في الزناة، كما جاء بذلك موسى.
ولذلك، فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون كلام الله تعالى، ولا أن يُنسب إليه بحال من الأحوال.
ومن العجيب:
أنه، إضافة إلى تلك الافتراءات التي تزعمها النصرانية، فإننا نجد التناقض البيّن في فحواها، حيث إن متى أحد مؤلفي أناجيل النصرانية، والذي يُزعم إلهامه، قد قام بتسجيل 26 اسمًا في سلسلة مدّعيًا أنها سلسلة نسب المسيح (الذي لم يكن له نسب أصلًا)، وعلى الرغم من اعتقاده (متى) في المسيح بأنه إلهه ومخلصه، إلا أنه يضع مثل تلك السلسلة كآباء وأجداد لإلهه الذي يعيده.
(تعالى الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا)
ثم نجد أن لوقا في إنجيله لم يوافق متى على تلك السلسلة من النسب المزعومة للمسيح، حيث إن (لوقا) لم يكتف بـ 26 أبًا وجدًا لإلهه الذي يعبده (المسيح)، بل إنه سجّل 41 أبًا وجدًّا لإلهه ومُخلّصه الذي يؤمن به (المسيح)
(أعاذنا الله تعالى من تلك الافتراءات، وحفظنا منها).
وكما أشرنا، فإن كلا من متى ولوقا قد وضعا في تلك السلسلة من النسب المزعوم للمسيح العديد من الزناة، غير أنه لا يوجد اسم واحد مشترك بين تلك الأسماء بقائمتي النسب المزعوم، سوى اسم واحد فقط، وهو اسم (يوسف)، والذي تزعم النصرانية في غرابة ودهشة أنه والد المسيح، وذلك كما يقول إنجيل لوقا (3: 23)، وذلك بعد حذف ما بداخل علامتي التنصيص (على ما كان يُظنّ)، لأنه ليس في الأصل والمخطوط للكتاب المقدس للنصرانية، ولكنه إضافة وحشو من تلقاء المترجم، والنصرانية تعترف وتقرّ بذلك.
أي أن ما بداخل علامة التنصيص (على ما كان يُظن) ليس إلا إضافة من المترجم لمحاولة الهروب من ذلك المأزق ذي الحرج الشديد، وهو ادّعاء الكتاب المقدس للنصرانية بأن يوسف الذي قد ذكره كلا من متى ولوقا (في سلسلة النسب المزعوم) هو والد المسيح، على الرغم من اعتقاد النصرانية بألوهيته، ومن ثم عبادته.
(تعال الله عز وجل عن كل تلك الافتراءات علوًا كبيرًا)
ونوضح: أن ذلك النسب المزعوم الذي تنسبه النصرانية للمسيح، ليس من جهة السيدة مريم (ليس من جهة والدته)، وذلك لأنه لم يرد اسمها (السيدة مريم) في أي من قائمة النسب المزعوم، وإنما كان (النسب المزعوم) من جهة يوسف النجار.
ومن التناقضات التي نجدها بالكتاب المقدس للنصرانية:
أن بالإنجيل الذي يتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية (للمسيحية) ما يشير إلى عدد كبير من الأبناء التي ينسبها إلى الله افتراءً وكذبًا، ولكننا إذا ما سألنا المسيحي (الذي يعتقد ألوهية المسيح، ويعبده)، كم عدد أبناء الله (مجاراة لافتراءات النصرانية)؟؟.
فإنه يقول: إنه واحد (يقصد المسيح).
ولا شك، أن ذلك من التناقض الذي يقع فيه معتنقوا النصرانية، حيث يعتقدون بأن لله ابنًا واحدًا، في حين أن كتابهم الذي يزعمون قدسيته، ينسب إلى الله أبناءً كثيرين.
(تعالى الله عز وجل عن أن يتخذ ولدًا ، علوًا كبيرًا).
ومن التناقضات التي نجدها بالكتاب المقدس للنصرانية:
أنه لا يُسمّى بالإنجيل، وإنما يُقال العهد القديم، والعهد الجديد، على الرغم من أن ما جاء به المسيح إنما هو الإنجيل، ولا شك أن ما نقصده هنا هو الإنجيل الحق الذي جاء به المسيح من الله تعالى، وليس إنجيل متى أو غيره من المؤلفين.
فنجد أن الكتاب المقدس للنصرانية يتضمن عدة أناجيل مؤلفة ذات صناعة بشرية، لمؤلفين كثيرين مجهولين، في حين أنه ليس الإنجيل الحق الذي أوحاه الله تعالى إلى المسيح عليه السلام.
ونجد أيضًا: أن الكتاب المقدس للنصرانية، إنما يخضع للحذف منه والتبديل والتغيير، وذلك على الدوام.
حيث إن النسخ الحديثة لكتاب النصرانية تترك بعض الجمل أو الكلمات الموجودة في النسخ القديمة، وكذلك نجد بها جملًا وكلمات لم تكن موجودة بالنسخ القديمة([10]).
ولاشك، أن ذلك شيء مريب لكل باحث عن الحق، حيث إن ذلك يدل على التحريف البيّن الحادث بالكتاب المقدس للنصرانية، والذي ما زال يحدث، وإلى أن يشاء الله.
مما يدل على أن ما بيدي النصرانية اليوم ليس أبدًا بكلام الله تعالى، وإنما هو كلام بشري خاضع دائمًا للتغيير والتبديل، تبعًا للأهواء والاتجاهات المختلفة لعقول مؤلفيها، ومنقحيها.
ومما يدل على ذلك ويؤكده:
أن الترجمة العالمية الحديثة (للكتاب المقدس للنصرانية) قد استبعدت الإحدى عشرة فقرة الأولى من إنجيل يوحنا (الإصحاح الثامن) عن بقية النص([11])، فعلى أي شيء يدل ذلك؟؟
لا شك، أن ذلك يدل بوضوح على أن ما بين يدي النصرانية اليوم ليس بكلام الله تعالى، حيث يخضع للتنقيح والتبديل والتغيير (لما به من أخطاء وتناقضات) من قِبَل علماءها وغيرهم، دون أدنى حياء في ذلك.
ثم يأتي من بعدهم علماء آخرين للنصرانية، فيقومون بنفس العمل، من تغيير وتبديل وتنقيح لما قام به أسلافهم مرة أخرى، وهكذا.
ومع ذلك نجد أن النصرانية تزعم قدسية ما بين يديها، وتنسبه إلى الله تعالى.
ولا شك، أن ذلك زعم غير مقبول تمامًا من مبتغٍ للحق، باحث عنه، ذي فطرة نقية وعقل راجح رشيد.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا مؤلفًا لكتّاب بشريين، لا علاقة لهم مطلقًا بإلهام أو غيره.
وما يَعجّ به الكتاب المقدس للنصرانية، من أخطاء وتناقضات، وفواحش ورذائل ومنكرات، برهان ذلك.
(فتعالى الله عز وجل عن أن يكون كتابه مثل ما تزعمه النصرانية، علوًا كبيرًا).
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يخضع دائمًا للإضافات.
ونموذج ذلك: أنه (الكتاب المقدس للنصرانية) يقول:
«ولما ابتدأ يسوع (يقصد: المسيح) كان له نحو ثلاثين سنة، وهو (علا ما كان يظن) ابن يوسف ابن هالي» (إنجيل لوقا 31: 23).
فتلك العبارة التي بين القوسين (على ما كان يُظن) لا توجد في المخطوطات القديمة، ولكن النصرانية أضافتها من عندها، ثم بعد ذلك أزالت الأقواس، واستمر الحال على ذلك([12])، حيث إنها تعبث بكتابها كيفما تشاء.
ومن تلك الفقرة السابقة، عند إزالة ما أضافته النصرانية تدريجيًا من تلقاء نفسها، يتضح: أن لوقا نفسه، أحد مؤلفي الأناجيل التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، والذي تزعم النصرانية إلهامه بالباطل، ينسب إلى المسيح أنه قد وُلِد من الفجور.
وذلك لأنه (لوقا) ينسب المسيح إلى أنه ابن يوسف ابن هالي، ومن المعلوم أن والدة المسيح (السيدة مريم) لم تتزوج، وإنما كانت ولادتها للمسيح معجزة من الله تعالى.
ومن ثم، فإن دائرة المعارف البريطانية، قد أعلنت:
أن الأناجيل الأربعة المشهورة التي يتضمنها الكتاب المقدس للنصرانية، ليست من تصنيف أحد من تلاميذ المسيح، كما أكدت بذلك الدلائل العلمية([13]) (طبعة 1964).
ولذلك: فإن الكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته، ليس إلا مؤلفًا بشريًا، لكثير من المؤلفين الغامضين، ولا يمكن بأي حال نسبته إلى الله تعالى.
ونجد أيضًا، أن الكتاب المقدس للنصرانية يخضع دائمًا للتحريفات والتغييرات.
ونموذج ذلك: أن النصرانية قد استخدمت بكتابها الذي تزعم قدسيته كلمات لا تزال غامضة، مجهولة المعنى، مبهمة، وإلى الآن.
ومن نماذج تلك الكلمات المجهولة المبهمة: والتي لا يعرف علماء النصرانية لها معنى إلى الآن، والتي لا تزال بكتاب النصرانية: لوبيم، لهبيم، بتروسيم، مالتوهيم، أماميم، كاثولوهيم، .... إلى غير ذلك.
والتساؤل: أي لغة تلك التي تستخدمها النصرانية في كتابها، والتي لا يعلمها علماءها، ومن ثم يجهلها غيرهم؟!!
وهل يُنزِّل الله تعالى مثل تلك الكلمات المجهولة المبهمة في كتابه، والذي كان من المفترض أن يكون هداية لخلقه، بأن يعلموا ما فيه، ويتدارسوه فيما بينهم؟!!
بالطبع: لا.
ومن ثم، فإن مثل تلك الكلمات وغيرها ما هي إلا تلفيقًا بيّنًا من قبل أيدٍ خفية قد تناولت كتاب النصرانية بالتحريف والتغيير.
فالكلمات السابقة المشار إليها وغيرها، هي في الحقيقة ألفاظ لا معان لها.
ونجد أيضًا: أن النصرانية قد قامت بترجمة أسماء الأعلام في حين أنه من المعلوم أن أسماء الأعلام لا تُترجم، وإنما تُترجم الكلمات فقط.
وذلك من الأخطاء الجسيمة التي تقع فيها النصرانية، ومن نماذج ذلك:
أن النصرانية قامت بترجمة بطرس إلى بيتر، وهناك فرق كبير بين الكلمتين، وتحريف بَيِّن واضح، وغير ذلك الكثير من نماذج التحريف والتغيير الذي قد نال كتاب النصرانية.
ومن الإضافات التي قد أُضيفت إلى كتاب النصرانية، والتي أدت إلى الوقوع في التناقض الكبير:
ما قد أُضيف إلى الفقرة التي تتحدث عن التقديم بإسماعيل عليه السلام للذبح، من قِبَل أبيه إبراهيم عليه السلام.
فمن المعلوم أن إسماعيل هو الابن البكر للنبي إبراهيم، وكتاب النصرانية يعترف بذلك ويُقرّ به، حيث إنه في سفر التكوين (والذي يؤمن به اليهودية أيضًا) إصحاح 16، عدد 15، ما يلي:
«فولدت هاجر إسماعيل وكان عمر إبراهيم آنذاك ستًا وثمانين (86) سنة».
وفي سفر التكوين (إصحاح 21، عدد 5):
«وكان عمره (إبراهيم) مائة (100) سنة حين ولد إسحاق ولده».
وذلك يعني أن الابن البكر لإبراهيم هو إسماعيل، وأن الفارق بين ولادة إسماعيل وأخيه إسحاق هو 14 سنة.
ثم نجد في سفر التكوين (إصحاح 22، عدد 2):
«وامتحن الله إبراهيم، فقال له خذ ابنك وحيدك الذي تحبه».
وهذا يعني أن تلك الفقرة تشير إلى إسماعيل، لأنها قالت (خذ ابنك وحيدك)، وكما أوضحنا، فإن إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم، وظل الابن الوحيد لإبراهيم لمدة 14 سنة، إلى أن وُلد بعد ذلك إسحق.
فلا يمكن أن يكون إسحاق هو المقصود بـ(خذ ابنك وحيدك)، لأنه لم يولد إلا بعد 14 سنة من ولادة إسماعيل.
ولكننا نجد أنه قد تم إدخال وإقحام كلمة (إسحاق) في حادثة الذبح لنفي أن يكون اختيار الله تعالى لمن قُدّم للذبح هو إسماعيل عليه السلام، والذي جاء من نسله النبي محمد r ليكون خاتمًا للأنبياء والمرسلين.
ومن ثم، فإن إقحام كلمة (إسحاق) بالباطل في حادثة الذبح يكون من أجل الإبعاد عنادًا وبالباطل، لذلك الشرف وتلك المرتبة عن إسماعيل عليه السلام الذي جاء من نسله النبي محمد r.
وصارت الفقرة السابقة بعد إضافة وإقحام كلمة (إسحاق) تلفيقًا، تقول:
«وامتحن الله إبراهيم، فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا، فأخذ إبراهيم بيده النار والسكين ونظر فإذا كبش وراءه».
ومن الدلائل أيضًا، على أن المراد بقصة الذبح والتضحية هو إسماعيل، وأن إضافة كلمة (إسحاق) ما هو إلا عنادًا وعنصرية، وإقحامًا بالباطل.
أنه جاء في سفر التكوين (إصحاح 16، عدد 1)، والذي تؤمن به اليهودية كجزء من كتابها ويتضمنه الكتاب المقدس للنصرانية، ما ينص على أن الولد البكر هو الذي يُقدّم لذبح ولقد أكد سفر التكوين (إصحاح 4، عدد 4) أن إسحاق وُلِد بعد إسماعيل بأربعة عشر سنة.
ب- أن النص السابق (المشار إليه)، أفاد بأنه حادثة الذبح قد وقعت عند أرض (المريا)، وهي في بئر سبع، وهي المنطقة التي عاش فيها إسماعيل مع أمه (السيدة هاجر).
لذلك فإن إقحام العهد القديم (كما في سفر التكوين) لكلمة (إسحاق) في حادثة الذبح ما هو إلا تناقضًا بيّنًا واختلافًا واضحًا.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية لا يمكن أن يكون وحيًا من عند الله عز وجل، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾
[سورة النساء: آية 82].
ونجد أيضًا: أن بعد إصدار النصرانية لنسخة ما من كتابها، الذي تقول بقدسيته، ثم بيعها واكتساب الأموال من وراءها، يتم الإعلان عن تعديلات وتنقيحات جديدة لنفس تلك النسخة من قِبَل علماءها وقساوستها، ولكن في نسخة جديدة، ومن ثم الإقبال عليها وبيعها، واكتساب الأموال الطائلة من جرّاء ذلك الإحتيال، وهكذا.
وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾
[سورة البقرة: آية 79].
ولذلك: فإننا نجد أن نسخ الكتاب المقدس للنصرانية تختلف حسب السَنة التي يُصدر ويطبع فيها، حيث تكثر التغييرات واستبدال الكلمات، وحذف العبارات وإضافة غيرها.. وهكذا.
والتساؤل المهم:
أي من تلك الكتب: وأي من تلك الإصدارات  لتلك النسخ المختلفة. يتم قبولها على أنها كلام الله تعالى؟!
وما هو المقياس الصحيح لذلك؟؟
والجواب الحق، الذي لا بديل له ولا حياد عنه؛ هو: أنه لا يمكن قبول أي من تلك الكتب أو أي من تلك النسخ لكتاب النصرانية، على أنها كلام الله تعالى، حيث إنه لا مقياس سليم صحيح يرضى به عقل راجح رشيد لقبول أي منها على أنها كلام الله تعالى.
تساؤل افتراضي: وإذا ما تم قبول نسخة ما في وقت ما، وآمن المسيحيون بها على أنها كلام الله، ثم حدثت التنقيحات والتعديلات لنفس تلك النسخة، حيث تم إضافة بعض العبارات والجمل الجديدة، وحَذْف عبارات وجمل أخرى قديمة، وتم استبدال كلمات أو فقرات قديمة بأخرى جديدة (كما هو المعتاد دائمًا)، فهل يتم قبول النسخة القديمة على أنها كلام الله تعالى أم تُرفض (بعد أن تم قبولها قبل ذلك)، وتُقبل النسخة الجديدة ذات التنقيحات والتعديلات للنسخة القديمة؟!!
وما مصير أولئك الذين كانوا قد اعتقدوا في النسخة القديمة من كتابهم المقدس، أنها كلام الله، وماتوا قبل أن يتم إصدار مثل تلك النسخ الجديدة، ذات الإضافات الحديثة، لعبارات وجمل لم تكن موجودة قبل ذلك، مُستبعده لعبارات وجمل قديمة (كانت في النسخة السابقة)، مستبدلة كلماتها بكلمات أخرى، هل كان اعتقادهم سليمًا صحيحًا في أن ما كان بأيديهم هو كلام الله تعالى؟!
وأيضًا، ما حال هؤلاء الذين وصلت إليهم النسخة ذات التعديل والتنقيح الجديد، إذا ما ظهرت نسخة جديدة لتلك التي بأيديهم، ذات تعديل وتنقيح جديد، ولم يدركوا تلك النسخة؟! وماذا إن أدركوها؟!!
لاشك، أن ذلك كله هراء ولعب واستخفاف بالعقول، فلا أحد له الحق في تبديل كلام الله تعالى: أو أية إضافة إليه أو استبعاد عنه.
فالحق ليس إلا واحدًا، غير ممتزج بباطل، حيث لا يختلف أحد من ذوي العقول الرشيدة والنفوس الزكية والفطر السوية عليه.
ونوضح: أن الترجمات غير النُسخ.
فالترجمات ما هي إلا نقلًا لمعان الكلمات والجمل من لغة لأخرى، دون إضافة في الأصل الذي تترجمه ودون حذف منه، ودون تغيير في الأصل أو تعديل وتبديل له، كما هو الحال في ترجمات القرآن الكريم.
حيث يتم نقل معان الكلمات التي تتكون منها الآيات والسور إلى اللغات الأخرى (لغير الناطقين باللسان العربي) لإمكانية فَهم القرآن الكريم، دون أدنى إضافة في الأصل (القرآن الكريم بلغته العربية) ودون أي حذف منه، ودون أدنى تعديل فيه أو تبديل له.
فلا يتم تلاوة القرآن الكريم بغير اللغة العربية، التي قد أُنزل بها من الله تعالى، ولا يتم الحفظ إلا بها.
أما النُسخ (كما هو الحال بالكتاب المقدس للنصرانية):
فإنه يتم الإضافة إليها، والحذف والاستبعاد منها، والتغيير والتبديل فيها، ومن ثم التناقض، حيث إن النصوص مختلفة، ولا شك أن ذلك مُحال قبوله في كلام الله تعالى.
لذلك: فإن الكتاب المقدس للنصرانية ما هو إلا مؤلفًا بشريًّا لعديد من المؤلفين المجهولين، والذي يخضع دائمًا للتغيير والتبديل والإضافة والحذف، ومن ثم التناقض، ونسخه الكثيرة المختلفة برهان ذلك.
ونوضح نموذجًا من تلك التعديلات والتنقيحات والتغييرات في الكتاب المقدس للنصرانية، على النحو التالي:
فنجد أن طائفة الكاثوليك لإحدى الطوائف المسيحية لها نسخة خاصة بها من الكتاب المقدس للنصرانية، والتي قد أعيدت طباعتها في دووي عام 1609، متضمنة 73 كتابًا([14]).
بينما نجد أن طائفة البروتستانت (إحدى الطوائف المسيحية) لها أيضًا نسخة خاصة بها من الكتاب المقدس للنصرانية، وهي نسخة الملك جيمس، والتي طبعت عام 1611 م، حيث قامت بحذف (7) سبعة أسفار من الكتاب المقدس للنصرانية([15])، باعتبارها تلفيقًا وتزويرًا.
إلى غير ذلك من طوائف المسيحية، والتي لا تعترف كل منها بالنسخة الخاصة بها أيضًا.
ومن التناقض العجيب:
أنه على الرغم من عدم إيمان الكاثوليك (إحدى طوائف المسيحية) بنسخة الملك جيمس، إلا أنهم (النصارى الكاثوليك) يجبرون معتنقي النصرانية الجدد على شراء نسخة الملك جيمس (النسخة الخاصة بطائفة البروتستانت)، وذلك لأنها النسخة المترجمة إلى أكثر من ألف لغة من لغات العالم النامي([16]).
ومع ذلك: فإن نسخة الملك جيمس لكتاب النصرانية، والتي طبعت لأول مرة في عام 1611 م، وعُدِّلت ونُقِّحت وغُيِّرت في عام 1881م ، فسميت بالنصوص المُنقّحة، ثم عُدِّلت ونُقِّحت وغُيِّرت مرة أخرى في عام 1952، وسميت الـ R.S.V، ثم لم تسلم من التعديل والتنقيح والتغيير مرة أخرى في عام 1971م([17]).
ومع ذلك نجد أن آراء علماء النصرانية (32 عالمًا من علماء المسيحية – النصرانية – يساندهم 50 من الطوائف الدينية) في نسخة الملك جيمس، كالآتي:
حيث يقولون: ولكن نصوص الملك جيمس بها عيوب خطيرة جدًا.
ومن نماذج التنقيح: رسالة يوحنا الأولى (5: 7) والتي تقول:
«لأن الشهود في السماء ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحد».
فتلك الجملة السابقة هي أقرب إلى ما تسميه النصرانية بالثالوث المقدس، وهو أحد دعمائها.
ولكن مراجعوا النصوص المنقحة حذفوا تلك الفقرة (من رسالة يوحنا)، لأنهم يعتبرونها زيفًا عقائديًّا، ولكن الترجمات الأخرى لكتاب النصرانية ما زالت بها تلك الفقرة التي تمثل الاعتقاد المزيّف لدى النصرانية، والتي قد حُذِفت من مراجعوا النصوص المنقحة.
والتساؤل المهم:
من المسئول عن مثل تلك الاستبعادات والإضافات، والتعديلات والتغييرات والتحريفات، ومن ثم التناقضات والاختلافات في ذلك الكتاب الذي تقدسه النصرانية؟؟
الجواب: إن علماء النصرانية هم الذين يبدّلون ويُعدِّلون ويُغيّرون بعض الكلمات الموجودة بالمخطوطات الأصل لديهم بكلمات أخرى، ويُبرّرون ذلك بقولهم: حتى يكون النصّ أكثر وضوحًا.
ولا شك، أن مثل تلك الإدّعاءات جرأة في التحريف والتبديل، مع عدم الحياء فيها، وإذا لم يستح الإنسان فهو يفعل ما يشاء.
فلا أحد له الحقّ في مثل ذلك التحريف والتبديل بمثل تلك الادّعاءات الباطلة، والتي لا أساس لها من الصحة.
ومما يشهد بتلك التحريفات التي قد انغمس فيها الكتاب المقدس للنصرانية:
أ- المدخل الجديدة من الكتاب المقدس لطائفة الكاثوليك (إحدى طوائف النصرانية – المسيحية)، حيث ينص على الآتي:
ومن الواضح أن ما أدخله النسّاخ من التبديل على مرّ القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مُثقلًا بمختلف ألوان التبديل، ظهرت في عدد كبير من القراءات.
وأيضًا، ممن يشهد بمثل تلك التحريفات التي قد انغمس فيها الكتاب المقدس للنصرانية.
- حيروم، وفقًا لما قالة (واردكاتلك) في كتابه.
حيث قد صرّح حيروم في مكتوبه: أن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون في الباب الأخير من إنجيل مرقس.
- شهادة العالم النصراني: جراهام سكروجي، عضو معهد مودي للكتاب المقدس، وهو من أكبر علماء البروتستانت التبشيريين، حيث يقول في كتابه (هل الكتاب المقدس كلمة الربّ): «نعم إن الكتاب المقدس من صنع البشر، بالرغم من أن البعض جهلًا منهم قد أنكرو ذلك».
ويقول أيضًا: «إن هذه الكتب قد مرّت من خلال أذهان البشر، وكُتبت بلغة البشر وبأقلامهم، كما أنها تحمل صفات تتميز أنها من إسلوب البشر».
فأقدم المخطوطات لدى النصرانية ترجع إلى 300 أو 400 سنة من بعد المسيح، حيث إن علماءها (النصرانية) يقولون بأن المخطوطات الأصلية قد هلكت.
ولذلك: فإنه لا يوجد من بين آلاف النسخ الموجودة اليوم للكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته نسختان متطابقتان باللغة الأصلية.
ومن بين أربعة آلاف مخطوطة مختلفة (لأناجيل مختلفة) قام القساوسة الكنسية باختيار (4) أربعة أناجيل ليتضمنها كتابهم المقدس، وذلك لتوافقها (الأناجيل) مع ما يميلون إليه.
ومما أشرنا إليه يتبين: أن الكتاب المقدس للنصرانية ليس إلا مؤلفًا فاقدًا للسند المتصل، حيث إن مؤلفيه أغلبهم مجهولون، ولم يروا المسيح، ولذلك نجد أن الإنجيل الذي تنسبه النصرانية للمسيح يتحدث أكثر من ثلاثة أرباعه عن ما بعد المسيح، فكيف يكون إنجيل المسيح إذن؟؟
ولذا: فإنه لم يجرؤ أي من المؤلفين زعم أن  ما ألفه كان إنجيل المسيح.
ونختم هذا الفصل بما شهد به علماء النصرانية أنفسهم (32 عالمًا، وخمسين طائفة دينية متعاونة)
حيث قالوا: بأن مؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية مجهولون، ومثال ذلك:
- سفر التكوين: المؤلف مجهول       
- سفر الخروج: ينسب إلى موسى، والمؤلف مجهول
- سفر اللاويين: عامّة يُنسب إلى موسى، والمؤلف مجهول.
- سفر العدد: عامة ينسب إلى موسى، والمؤلف مجهول.
- سفر يشوع: يُنسب (أي: أنه غير مؤكد، يعني: يُحتمل) معظمه ليشوع؛ ولكن ماذا عن باقي السفر؟؟ لاشك أنه غير معلوم من يُنسب إليه.
- سفر القضاة: يحتمل أن يكون صموئيل.
- سفر راعوث: ليس معروف بالتحديد.
سفر صموئيل 1: المؤلف مجهول.
- سفر صموئيل 2: المؤلف مجهول.
- سفر الملوك الأول: المؤلف مجهول.
- سفر الملوك الثاني: المؤلف مجهول.
- سفر أخبار الأيام الأول: المؤلف مجهول ويُحتمل أن يكون عذرا.
- سفر أخبار الأيام الثاني: المؤلف مجهول، ويحتمل أن يكون عذرا.
- سفر استر: المؤلف مجهول.
- سفر الجامعة: المؤلف مشكوك فيه، ولكن عادة يُنسب إلى سليمان.
- مزامير داود: يوجد مؤلفين آخرين له غير معروفين (مجهولين).
- سفر أشعيا: فيه أجزاء مؤلفها غير معلوم (مجهول).
- سفر يونا: المؤلف مجهول.
- سفر حبقون: المؤلف مجهول، وهكذا.
لذلك: فإن الكتاب الذي تزعم النصرانية قدسيته ليس إلا كتابًا مجهول النسب والهوية، ساقط السند، فالعهد القديم والعهد الجديد (الذي يتضمنها كتاب النصرانية) كلاهما غير معلوم مؤلفيها.
فمؤلفي الكتاب المقدس للنصرانية، إما أن يكونوا مجهولين، وإما أن يُقال فيهم (من المحتمل).
تعالى الله عز وجل عن أن يكون كتابه مثل ما تزعمه النصرانية علوًا كبيرا.
ولذلك فإنه يتبين لنا بالأدلة القاطعة والتي قد أشرنا إلى جانب منها:
فقدان الكتاب المقدس (للنصرانية) لمصداقيتهما.



([1]) إظهار الحق، للشيخ/ رحمة الله الهندي.
([2]) نفس المصدر.
([3]) نفس المصدر؛ بتصرف.
([4])  نفس المصدر السابق، بتصرف.
([5]) إظهار الحق، للشيخ مرحمة الله الهندي
([6]) نفس المصدر.
([7]) نفس المصدر.
([8]) نفس المصدر.
([9]) من كتاب: هل الكتاب المقدس كلمة الله، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.
([10]) من كتاب: الخلاف الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.
([11]) من كتاب: خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس، للشيخ/ أحمد ديدات.
([12]) من كتاب: هل المسيح هو الله، للشيخ/ أحمد ديدات.
([13]) من كتاب: هل المسيح هو الله: للشيخ/ أحمد ديدات.
([14]) هل الكتاب المقدس كلمة الله، بتصرف، للشيخ/ أحمد ديدات.
([15]) نفس المصدر السابق.
([16]) نفس المصدر السابق، بتصرف يسير.
([17]) نفس المصدر السابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق